AbO RiShA
2009-03-16, 06:35 PM
** اغتنام العمر بالعمل الصالح **
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
معاشر المؤمنين :أخرج الحاكم في مستدركه بسند صححه الحافظ ابن حجر عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يعظ رجلاً ويقول له: " اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، فما بعد الدنيا من مستعتب ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار".
وأخرج الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر ".
فالفائز من اغتنم أيامه، واستعد لما أمامه وحرص على ما ينفعه فتزود زاداً كافياً، وأعد جواباً شافياً، واستكثر من الحسنات، وتدارك ما مضى من الهفوات ، وبادر فرصة الأوقات، قبل أن يناديه منادي الشتات، ويفجؤه هادم اللذات .
والمغبون من لم تزده الأيام من الله إلا بعداً ، يرى الأيام تمضي تباعاً فلا يلقي لها بالاً ، يفرح لقرب ترقية أو حصول علاوة أو تحقق أمنية وهو غافل عن ربه معرض عن طاعته مرتكب لما يسخطه ، وكل يوم تطلع شمسه يقربه من قبره ويدنيه من حشره.
الشهور والأعوام تنقضي والليالي والأيام تمضي ، والشمس والقمر يتعاقبان ولا يفتران، والسعيد من طال عمره وحسن عمله، والشقي من طال عمره وساء عمله .
روى الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: " من طال عمره وحسن عمله "، قال: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله ".
فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، والأعمال بالخواتيم، والمرء يموت على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) أخرجه البخاري.
كم من مفرط لم يبق من عمره إلا القليل ، ولا يدري متى الرحيل ، تُعد عليه أنفاسه فلم يستدركها، نفسه أعزُّ ما عليه فيهلكها ، وفي لجج الآثام يغرقها وبإعراضه عن ربه يوبقها .
أقعده الحرمان، وأركسه العصيان، يضيع عمره عاماً بعد عام ، كم أغلق باباً على قبيح، وكم أعرض عن قول المخلص النصيح، كم صلاةٍ تركها، ونظرة أصابها، وحقوق أضاعها، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها"
رواه مسلم .
نسي ساعة الاحتضار، حين يثقل اللسان، وترتخي اليدان، وتشخصُ العينان، ويبكي عليه الأهل والجيران، نسي ما يحصل للمحتضر حال نزع روحه ، حين يشتد كربه، ويظهر أنينه، ويتغيّر لونه، ويعرق جبينه.
حين حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة، كان بين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يُدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات "
رواه البخاري.
أين من عاشرناه وألفنا، ، كم أغمضنا لمن مات من أحبابنا جَفْناً، كم عزيز دفنّا، كم قريب في اللحد أضجعنا ، فهل رحم الموت مريضاً لضعف حاله وأوصاله؟ هل ترك كاسباً لأجل أطفاله؟! هل أمهل ذا عيال من أجل عياله؟! أين من كانوا معنا في الأعوام الماضية؟! أتاهم هادم اللذات، وقاطع الشهوات، ومفرّق الجماعات، فأخلى منهم المجالس والمساجد، تراهم في بطون الألحاد صرعى، لا يجدون لما هم فيه دفعاً، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ينتظرون يوماً الأمم فيه إلى ربها تُدعى، والخلائق تُحشر إلى الموقف وتسعى، والفرائص ترعد من هول ذلك اليوم والعيون تذرف دمعاً، والقلوب تتصدع من الحساب صدعاً.
أمـا والله لو علم الأنام * لمـا خلقوا لما غفلوا وناموا لقد خلقوا لما لو أبصرته * عيون قلوبهم تاهوا وهاموا ممات ثم قـبر ثم حشـر * وتوبيخ وأهـوال عظـام الأعمار تمرّ سنة بعد سنة، ونحن في نوم الغفلة والسِنة، فإلى متى ندخر توبتنا ؟، وحتى متى نؤخر أوبتنا ؟، إلى عام قابل، وحول حائل ؟، فما إلينا مدة الأعمار، ولا معرفة المقدار، فلنبادر بالتوبة ولنصلح من قلوبنا ما فسد ، ولنكن من آجالنا على رصد، فقد أزف الرحيل وقرب التحويل، والعمر أمانة، سيُسأل عنه المرء يوم القيامة .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزول قدما ابن ادم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم ".
رواه الترمذي .
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : ( ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي).
أين الحسرات على فوات أمس؟ أين الاستعداد ليوم تدنو فيه الشمس؟! فتوبوا إلى ربكم قبل أن يتكدر الصفاء ، وينقطع حبل الرجاء، وقبل أن تخلو المنازل من أربابها، وتؤذن الديار بخرابها.
ألسنا نرى شهوات النفوس * تفنى وتبقى علينا الذنوبُ يخاف على نفسه من يتوبُ * فكيف يكن حال من لا يتوبُ اغتنموا ممرَّ الساعات والأيام والأعوام، وليحاسب كل واحد منكم نفسه، فقد سعد من لاحظها وحاسبها، وفاز من تابعها وعاتبها.
اعملوا لدار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبابها، ولا يتغير حُسنها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ".
نعيمها لا يفنى وساكنها لا يهرم ولذتها لا تنقضي ، ليست كدار متاع الغرور ، ومنغصة السرور ومكدرة الحبور ، إقبالها وبال وحبها نكال.
لنستدرك من العمر ذاهباً، ولندع اللهو جانباً، ولنقم في الدجى نادمين، ولنقف على الباب تائبين، بلسان ذاكر، وجفن ساهر، ودمع قاطر .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
ولنحسن فيما بقي، يُغفر لنا ما مضى، فإن أسأنا فيما بقي، أُخذنا بما مضى وبما بقي .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل: ( كم أتى عليك؟ قال ستون سنة قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك؟! يوشك أن تبلغ فقال الرجل: إنا لله وأنا إليه راجعون فقال الفضيل: من علم أنه لله عبد وأنه إيه راجع فليعلم أنه موقوف وإنه مسؤول فليعد للمسألة جواباً فقال له الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة قال: وما هي؟ قال تحسن فيما بقي فيغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي ) .
وقال الحسن البصري رحمه الله : ( اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان سكرة الموت وحسرة الفوت ) .
وقال ابن الجوزي : "وقد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق".
تعجب ابن الجوزي من أهل زمانه ، فكيف لو رأى أهل زماننا؟.
قال صلى الله عليه وسلم :" نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ ".
رواه البخاري.
وقال رحمه الله : ( قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل ، والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم لكفى كما قيل: يسر الفتى طول السلامة والبقا * فكيف ترى طول السلامة يَفعَلُ يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة * ينوء إذا رام القيام ويُحمل وقال الطيبي: ( ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلاً بالتاجر الذي له رأس مال فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق لئلا يغبن فالصحة والمال رأس المال وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول الله تعالى َ{هلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } .
وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح.
ألا إنما التقوى هي العز والكرم * وحبك للدنيا هو الذل والسَّقَمْ وليس على عبد تقي نقيصة * إذا حقق التقوى وإن حاك أو حَجَمْ وقال ابن القيم: "فالوقت منصرم بنفسه منقض بذاته ، ولذا فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته وعظمت حسراته واشتد فواته، والواردات سريعة الزوال تمر أسرع من السحاب وينقضي الوقت بما فيه فلا يعود عليك منه إلا أثره وحكمه، فاختر لنفسك ما يعود عليك من وقتك، فإنه عائد عليك لا محالة، لهذا يقال للسعداء في الجنة { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } ، ويقال للأشقياء المعذبين في النار {ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } .
إذا مضى الزمان فإنه لا يعود، قال الحسن البصري رحمه الله : ( ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ) .
يقول أحد السلف مخاطباً نفسه : ( إنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ولا تحزنين على نقصان عمرك، وما نفع مال يزيد وعمر ينقص، ويلك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك، فكم من مستقبل يومه لا يستكمله ، وكم من مؤمل في الخير لا يبلغه ) .
وما المرء إلا راكب ظهر عمره *على سفر يفنيه باليوم والشهر يبيت ويضحي كل يوم وليــلة * بعيدا عن الدنيا قريبا إلى القبر الدنيا إلى نفاد وشيك وزوال قريب، ولن يزيد في العمر المحدود طول الأمل الممدود ، فأكثروا من صالح العمل قبل نفاذ الأجل، وتأهبوا للنقلة فإن الرحيل قريب، وتزودوا للمسير فإن السفر بعيد، والمعاد مضمار العباد، فيغتبط بما قدَّم غانم، ويبأس على ما فاته نادم.
ولن ينفعه في ساعة الاحتضار ، حين يستدبر الدنيا ويستقبل الآخرة أن يتمنى مهلة من الزمن ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين }.
فقد فات الوقت {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} .
وأما في الآخرة، عندما توفى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت ، ويدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار، هنالك يتمنى المفرطون لو أنهم عادوا إلى الدنيا مرة أخرى ليعملوا صالحاً { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير } .
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم.
فلا تشغلنكم دنياكم عن أُخراكم، ولا تؤثروا شهواتكم على طاعة ربكم ، ولا تستعينوا على معصية الله بنعمه التي أنعمها عليكم ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واعملوا قبل أن تعذبوا، وتزودوا للرحيل قبل أن ترحلوا.
أما رأيتم المأخوذين على غرة، المكروبين بعد الطمأنينة؛ الذين كانوا على المعصية دائمين ، وإلى الشهوات جانحين ، حتى أتاهم اليقين ؛ فلا ما كانوا أمَّلوا أدركوا ولا إلى ما فاتهم رجعوا، بل قَدِموا على ما عملوا وندموا على ما تركوا، ولم يغنِ الندم وقد جف القلم، فرحم الله امرءاً قدم خيراً وأنفق قصداً وقال صِدْقاً، وملك دواعي شهوته ولم تملكه، وعصى إمرة نفسه فلم تهلكه.
قال ابن القيم : ( إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها ).
وقال رحمه الله: ( أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها ).
ما مضى من أيامكم ؛ نَقَصَ من أعماركم، وقَرَّب من آجالكم، وأدناكم من انقطاع أعمالكم، فخذوا الأهبة لآزف النقلة .
ألا للموت كأس أي كأس * وأنت لكأسه لابد حاسي إلى كم والممات إلى قريب * تُذَكَّرُ بالممات وأنت ناسي أعدوا الزاد لقرب الرحلة، ألا وإن خير الزاد التقوى، وأعلى الناس عند الله منزلة أخوفهم منه .
احذروا الأمان والغفلة فكم من آمن غافل أُتي مِن غفلته ومأمنه ، والأمر قريب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك".
رواه البخاري .
ما تحسر أهل الجنة على شيء حسرتهم على ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا فيها ربهم .
فيا غبن الغافل ويا خسارة المسوف نهارك يا مغرور سهو وغفـلة * وليلك نوم والردى لك لازم وشغلك فيما سوف تكره غبه * كذلك في الدنيا تعيش البهائم إن من أمارات التوفيق ودلائل الفلاح : استدراك بقية العمر بطاعة الرب عز وجل ، بأداء الفرائض، وتكميلها بالنوافل ؛ تحبباً إلى الله وتقرباً إليه، ففي الحديث القدسي : " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه ".
رواه البخاري .
ومن أمارات التوفيق ودلائل الفلاح : ترك المخالفات والإعراض عن المنهيات واتقاء الشبهات؛ فإن مباشرة المعاصي تقسي القلوب، وتغضب علام الغيوب، وتعسر المطلوب، وتعمي البصيرة، وتسبب الحيرة، وتنقص الأرزاق، " فإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ".
وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وكم يحرم الناس الفقه في الدين بسبب المعاصي؛ فإن العلم نور (ونور الله لا يؤتاه عاصي ).
هذا فضلاً عما توعد الله به المصرين على الذنوب من أنواع العقوبات في الحياة وبعد الممات.
ومن أمارات التوفيق ودلائل الفلاح : كثرة الصدقات فإن الصدقة تطفئ الخطيئة، وتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، ويصرف الله بها أنواعاً من البلاء، وهي أيضاً من أسباب تنفيس الكروب، وتحصيل المطلوب، وتكفير الذنوب، وظل لصاحبها يوم القيامة ووقاية له من النار.
ومثلها الإحسان إلى الناس ، فإن الله يجزي على الإحسان به، وهو سبحانه يحب المحسنين ومع المحسنين، ولا يضيع أجر المحسنين لا في الدنيا ولا يوم الدين، وخص المحسنين بأعلى درجات الجنان.
أيها الأحبة : الدنيا ساعة فلنجعلها طاعة والنفس طماعة فلنلجمها بالقناعة ، وليكن لنا من أنفسنا رقيباً، فإن الله تعالى محص علينا أعمالنا إن كانت خيراً فخيراً وإن كانت شراً فشراً { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } .
قال ابن عباس رضي الله عنهماhttp://www.iraqeyes.com/vb/images/smilies/2a%5B1%5D.gif يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى إنه ليكتب قوله: أكلتُ وشربتُ وذهبتُ وجئتُ ورأيتُ} .
كان مَنْ سَلَفَ من صالحي هذه الأمة يشفقون من أعمالهم ، فكان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ويقول: ( اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل ) وكان الضحاك يبكي آخر النهار ويقول : ( لا أدري ما رُفع من عملي ) .
ولنحذر من الغفلة فإنها داء عضال ومرض قتَّال تسبب قسوة القلوب والاستهانة بالذنوب ومعصية علام الغيوب يقول تعالى { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون }.
ألا يا غافلاً يُحصى عليه * من العمل الصغيرة والكبيرة يُسار به ويُنذر كل حينٍ * وقد أنسته غفلته مصـيره تأهب للرحيل فقد تدانى * وأنذرك الرحيل أخٌ وجيرة الأعمال بخواتمها، والسعيد من ختم له بخير، والشقي من ختم له بسوء، ولم تسعه رحمة الله التي وسعت كل شئ، وكل ميسر لما خلق له { فأما من أعطى و اتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } .
قال صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالخواتيم" .
القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
قال صلى الله عليه وسلم : "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "فالخواتيم ميراث السوابق، وكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق.
وقد قيل إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟ .
اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنا في دورنا اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً اللهم اهد ضالنا اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً .
اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً .
اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر
واله الطيبين الطاهرين
وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين, إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
**************************
تحيــــــــاتي
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين أما بعد فيا عباد الله اتقوا الله تعالى حق التقوى يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور.
معاشر المؤمنين :أخرج الحاكم في مستدركه بسند صححه الحافظ ابن حجر عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يعظ رجلاً ويقول له: " اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، فما بعد الدنيا من مستعتب ولا بعد الدنيا دارٌ إلا الجنة أو النار".
وأخرج الترمذي في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بادروا بالأعمال سبعاً: هل تنتظرون إلا فقراً منسياً، أو غنى مطغياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مفنداً، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة والساعة أدهى وأمر ".
فالفائز من اغتنم أيامه، واستعد لما أمامه وحرص على ما ينفعه فتزود زاداً كافياً، وأعد جواباً شافياً، واستكثر من الحسنات، وتدارك ما مضى من الهفوات ، وبادر فرصة الأوقات، قبل أن يناديه منادي الشتات، ويفجؤه هادم اللذات .
والمغبون من لم تزده الأيام من الله إلا بعداً ، يرى الأيام تمضي تباعاً فلا يلقي لها بالاً ، يفرح لقرب ترقية أو حصول علاوة أو تحقق أمنية وهو غافل عن ربه معرض عن طاعته مرتكب لما يسخطه ، وكل يوم تطلع شمسه يقربه من قبره ويدنيه من حشره.
الشهور والأعوام تنقضي والليالي والأيام تمضي ، والشمس والقمر يتعاقبان ولا يفتران، والسعيد من طال عمره وحسن عمله، والشقي من طال عمره وساء عمله .
روى الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: " من طال عمره وحسن عمله "، قال: فأي الناس شر؟ قال: "من طال عمره وساء عمله ".
فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، والأعمال بالخواتيم، والمرء يموت على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ".
وكان ابن عمر يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) أخرجه البخاري.
كم من مفرط لم يبق من عمره إلا القليل ، ولا يدري متى الرحيل ، تُعد عليه أنفاسه فلم يستدركها، نفسه أعزُّ ما عليه فيهلكها ، وفي لجج الآثام يغرقها وبإعراضه عن ربه يوبقها .
أقعده الحرمان، وأركسه العصيان، يضيع عمره عاماً بعد عام ، كم أغلق باباً على قبيح، وكم أعرض عن قول المخلص النصيح، كم صلاةٍ تركها، ونظرة أصابها، وحقوق أضاعها، عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل الناس يغدو، فبائعٌ نفسه فمعتقها أو موبقها"
رواه مسلم .
نسي ساعة الاحتضار، حين يثقل اللسان، وترتخي اليدان، وتشخصُ العينان، ويبكي عليه الأهل والجيران، نسي ما يحصل للمحتضر حال نزع روحه ، حين يشتد كربه، ويظهر أنينه، ويتغيّر لونه، ويعرق جبينه.
حين حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم الوفاة، كان بين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يُدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه ويقول: "لا إله إلا الله، إن للموت سكرات "
رواه البخاري.
أين من عاشرناه وألفنا، ، كم أغمضنا لمن مات من أحبابنا جَفْناً، كم عزيز دفنّا، كم قريب في اللحد أضجعنا ، فهل رحم الموت مريضاً لضعف حاله وأوصاله؟ هل ترك كاسباً لأجل أطفاله؟! هل أمهل ذا عيال من أجل عياله؟! أين من كانوا معنا في الأعوام الماضية؟! أتاهم هادم اللذات، وقاطع الشهوات، ومفرّق الجماعات، فأخلى منهم المجالس والمساجد، تراهم في بطون الألحاد صرعى، لا يجدون لما هم فيه دفعاً، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ينتظرون يوماً الأمم فيه إلى ربها تُدعى، والخلائق تُحشر إلى الموقف وتسعى، والفرائص ترعد من هول ذلك اليوم والعيون تذرف دمعاً، والقلوب تتصدع من الحساب صدعاً.
أمـا والله لو علم الأنام * لمـا خلقوا لما غفلوا وناموا لقد خلقوا لما لو أبصرته * عيون قلوبهم تاهوا وهاموا ممات ثم قـبر ثم حشـر * وتوبيخ وأهـوال عظـام الأعمار تمرّ سنة بعد سنة، ونحن في نوم الغفلة والسِنة، فإلى متى ندخر توبتنا ؟، وحتى متى نؤخر أوبتنا ؟، إلى عام قابل، وحول حائل ؟، فما إلينا مدة الأعمار، ولا معرفة المقدار، فلنبادر بالتوبة ولنصلح من قلوبنا ما فسد ، ولنكن من آجالنا على رصد، فقد أزف الرحيل وقرب التحويل، والعمر أمانة، سيُسأل عنه المرء يوم القيامة .
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تزول قدما ابن ادم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم ".
رواه الترمذي .
وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : ( ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي).
أين الحسرات على فوات أمس؟ أين الاستعداد ليوم تدنو فيه الشمس؟! فتوبوا إلى ربكم قبل أن يتكدر الصفاء ، وينقطع حبل الرجاء، وقبل أن تخلو المنازل من أربابها، وتؤذن الديار بخرابها.
ألسنا نرى شهوات النفوس * تفنى وتبقى علينا الذنوبُ يخاف على نفسه من يتوبُ * فكيف يكن حال من لا يتوبُ اغتنموا ممرَّ الساعات والأيام والأعوام، وليحاسب كل واحد منكم نفسه، فقد سعد من لاحظها وحاسبها، وفاز من تابعها وعاتبها.
اعملوا لدار لا يموت سكانها، ولا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبابها، ولا يتغير حُسنها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من يدخل الجنة ينعم لا يبأس، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ".
نعيمها لا يفنى وساكنها لا يهرم ولذتها لا تنقضي ، ليست كدار متاع الغرور ، ومنغصة السرور ومكدرة الحبور ، إقبالها وبال وحبها نكال.
لنستدرك من العمر ذاهباً، ولندع اللهو جانباً، ولنقم في الدجى نادمين، ولنقف على الباب تائبين، بلسان ذاكر، وجفن ساهر، ودمع قاطر .
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
ولنحسن فيما بقي، يُغفر لنا ما مضى، فإن أسأنا فيما بقي، أُخذنا بما مضى وبما بقي .
قال الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل: ( كم أتى عليك؟ قال ستون سنة قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك؟! يوشك أن تبلغ فقال الرجل: إنا لله وأنا إليه راجعون فقال الفضيل: من علم أنه لله عبد وأنه إيه راجع فليعلم أنه موقوف وإنه مسؤول فليعد للمسألة جواباً فقال له الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة قال: وما هي؟ قال تحسن فيما بقي فيغفر لك ما مضى فإنك إن أسأت فيما بقي أخذت بما مضى وما بقي ) .
وقال الحسن البصري رحمه الله : ( اتق الله يا ابن آدم لا يجتمع عليك خصلتان سكرة الموت وحسرة الفوت ) .
وقال ابن الجوزي : "وقد رأيت عموم الخلائق يدفعون الزمان دفعاً عجيباً، إن طال الليل فبحديث لا ينفع أو بقراءة كتاب فيه غزل وسمر، وإن طال النهار فبالنوم، وهم في أطراف النهار على دجلة أو في الأسواق".
تعجب ابن الجوزي من أهل زمانه ، فكيف لو رأى أهل زماننا؟.
قال صلى الله عليه وسلم :" نعمتان مغبون فيها كثير من الناس الصحة والفراغ ".
رواه البخاري.
وقال رحمه الله : ( قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط ومن استعملها في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل ، والصحة يعقبها السقم ولو لم يكن إلا الهرم لكفى كما قيل: يسر الفتى طول السلامة والبقا * فكيف ترى طول السلامة يَفعَلُ يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة * ينوء إذا رام القيام ويُحمل وقال الطيبي: ( ضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمكلف مثلاً بالتاجر الذي له رأس مال فهو يبتغي الربح مع سلامة رأس المال فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله ويلزم الصدق لئلا يغبن فالصحة والمال رأس المال وينبغي له أن يعامل الله بالإيمان ومجاهدة النفس وعدو الدين ليربح خيري الدنيا والآخرة، وقريب منه قول الله تعالى َ{هلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } .
وعليه أن يجتنب مطاوعة النفس ومعاملة الشيطان لئلا يضيع رأس ماله مع الربح.
ألا إنما التقوى هي العز والكرم * وحبك للدنيا هو الذل والسَّقَمْ وليس على عبد تقي نقيصة * إذا حقق التقوى وإن حاك أو حَجَمْ وقال ابن القيم: "فالوقت منصرم بنفسه منقض بذاته ، ولذا فمن غفل عن نفسه تصرمت أوقاته وعظمت حسراته واشتد فواته، والواردات سريعة الزوال تمر أسرع من السحاب وينقضي الوقت بما فيه فلا يعود عليك منه إلا أثره وحكمه، فاختر لنفسك ما يعود عليك من وقتك، فإنه عائد عليك لا محالة، لهذا يقال للسعداء في الجنة { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } ، ويقال للأشقياء المعذبين في النار {ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } .
إذا مضى الزمان فإنه لا يعود، قال الحسن البصري رحمه الله : ( ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي : يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة ) .
يقول أحد السلف مخاطباً نفسه : ( إنك تفرحين كل يوم بزيادة مالك ولا تحزنين على نقصان عمرك، وما نفع مال يزيد وعمر ينقص، ويلك يا نفس تعرضين عن الآخرة وهي مقبلة عليك، وتقبلين على الدنيا وهي معرضة عنك، فكم من مستقبل يومه لا يستكمله ، وكم من مؤمل في الخير لا يبلغه ) .
وما المرء إلا راكب ظهر عمره *على سفر يفنيه باليوم والشهر يبيت ويضحي كل يوم وليــلة * بعيدا عن الدنيا قريبا إلى القبر الدنيا إلى نفاد وشيك وزوال قريب، ولن يزيد في العمر المحدود طول الأمل الممدود ، فأكثروا من صالح العمل قبل نفاذ الأجل، وتأهبوا للنقلة فإن الرحيل قريب، وتزودوا للمسير فإن السفر بعيد، والمعاد مضمار العباد، فيغتبط بما قدَّم غانم، ويبأس على ما فاته نادم.
ولن ينفعه في ساعة الاحتضار ، حين يستدبر الدنيا ويستقبل الآخرة أن يتمنى مهلة من الزمن ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات { يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين }.
فقد فات الوقت {ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون} .
وأما في الآخرة، عندما توفى كل نفس ما عملت وتجزى بما كسبت ، ويدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار، هنالك يتمنى المفرطون لو أنهم عادوا إلى الدنيا مرة أخرى ليعملوا صالحاً { والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور * وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير } .
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم ودنانيركم.
فلا تشغلنكم دنياكم عن أُخراكم، ولا تؤثروا شهواتكم على طاعة ربكم ، ولا تستعينوا على معصية الله بنعمه التي أنعمها عليكم ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واعملوا قبل أن تعذبوا، وتزودوا للرحيل قبل أن ترحلوا.
أما رأيتم المأخوذين على غرة، المكروبين بعد الطمأنينة؛ الذين كانوا على المعصية دائمين ، وإلى الشهوات جانحين ، حتى أتاهم اليقين ؛ فلا ما كانوا أمَّلوا أدركوا ولا إلى ما فاتهم رجعوا، بل قَدِموا على ما عملوا وندموا على ما تركوا، ولم يغنِ الندم وقد جف القلم، فرحم الله امرءاً قدم خيراً وأنفق قصداً وقال صِدْقاً، وملك دواعي شهوته ولم تملكه، وعصى إمرة نفسه فلم تهلكه.
قال ابن القيم : ( إضاعة الوقت أشد من الموت لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها ).
وقال رحمه الله: ( أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها وأنفع لها في معادها ).
ما مضى من أيامكم ؛ نَقَصَ من أعماركم، وقَرَّب من آجالكم، وأدناكم من انقطاع أعمالكم، فخذوا الأهبة لآزف النقلة .
ألا للموت كأس أي كأس * وأنت لكأسه لابد حاسي إلى كم والممات إلى قريب * تُذَكَّرُ بالممات وأنت ناسي أعدوا الزاد لقرب الرحلة، ألا وإن خير الزاد التقوى، وأعلى الناس عند الله منزلة أخوفهم منه .
احذروا الأمان والغفلة فكم من آمن غافل أُتي مِن غفلته ومأمنه ، والأمر قريب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك".
رواه البخاري .
ما تحسر أهل الجنة على شيء حسرتهم على ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا فيها ربهم .
فيا غبن الغافل ويا خسارة المسوف نهارك يا مغرور سهو وغفـلة * وليلك نوم والردى لك لازم وشغلك فيما سوف تكره غبه * كذلك في الدنيا تعيش البهائم إن من أمارات التوفيق ودلائل الفلاح : استدراك بقية العمر بطاعة الرب عز وجل ، بأداء الفرائض، وتكميلها بالنوافل ؛ تحبباً إلى الله وتقرباً إليه، ففي الحديث القدسي : " وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنه ".
رواه البخاري .
ومن أمارات التوفيق ودلائل الفلاح : ترك المخالفات والإعراض عن المنهيات واتقاء الشبهات؛ فإن مباشرة المعاصي تقسي القلوب، وتغضب علام الغيوب، وتعسر المطلوب، وتعمي البصيرة، وتسبب الحيرة، وتنقص الأرزاق، " فإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ".
وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وكم يحرم الناس الفقه في الدين بسبب المعاصي؛ فإن العلم نور (ونور الله لا يؤتاه عاصي ).
هذا فضلاً عما توعد الله به المصرين على الذنوب من أنواع العقوبات في الحياة وبعد الممات.
ومن أمارات التوفيق ودلائل الفلاح : كثرة الصدقات فإن الصدقة تطفئ الخطيئة، وتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء، ويصرف الله بها أنواعاً من البلاء، وهي أيضاً من أسباب تنفيس الكروب، وتحصيل المطلوب، وتكفير الذنوب، وظل لصاحبها يوم القيامة ووقاية له من النار.
ومثلها الإحسان إلى الناس ، فإن الله يجزي على الإحسان به، وهو سبحانه يحب المحسنين ومع المحسنين، ولا يضيع أجر المحسنين لا في الدنيا ولا يوم الدين، وخص المحسنين بأعلى درجات الجنان.
أيها الأحبة : الدنيا ساعة فلنجعلها طاعة والنفس طماعة فلنلجمها بالقناعة ، وليكن لنا من أنفسنا رقيباً، فإن الله تعالى محص علينا أعمالنا إن كانت خيراً فخيراً وإن كانت شراً فشراً { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } .
قال ابن عباس رضي الله عنهماhttp://www.iraqeyes.com/vb/images/smilies/2a%5B1%5D.gif يكتب كل ما تكلم به من خير وشر حتى إنه ليكتب قوله: أكلتُ وشربتُ وذهبتُ وجئتُ ورأيتُ} .
كان مَنْ سَلَفَ من صالحي هذه الأمة يشفقون من أعمالهم ، فكان إبراهيم النخعي يبكي إلى امرأته يوم الخميس وتبكي إليه ويقول: ( اليوم تعرض أعمالنا على الله عز وجل ) وكان الضحاك يبكي آخر النهار ويقول : ( لا أدري ما رُفع من عملي ) .
ولنحذر من الغفلة فإنها داء عضال ومرض قتَّال تسبب قسوة القلوب والاستهانة بالذنوب ومعصية علام الغيوب يقول تعالى { اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون }.
ألا يا غافلاً يُحصى عليه * من العمل الصغيرة والكبيرة يُسار به ويُنذر كل حينٍ * وقد أنسته غفلته مصـيره تأهب للرحيل فقد تدانى * وأنذرك الرحيل أخٌ وجيرة الأعمال بخواتمها، والسعيد من ختم له بخير، والشقي من ختم له بسوء، ولم تسعه رحمة الله التي وسعت كل شئ، وكل ميسر لما خلق له { فأما من أعطى و اتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى } .
قال صلى الله عليه وسلم : "إنما الأعمال بالخواتيم" .
القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
قال صلى الله عليه وسلم : "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك" .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "فالخواتيم ميراث السوابق، وكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق.
وقد قيل إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟ .
اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنا في دورنا اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً اللهم اهد ضالنا اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً .
اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا رب العالمين اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.
إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً .
اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر
واله الطيبين الطاهرين
وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين, إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
**************************
تحيــــــــاتي