لندا قرانا
2009-06-19, 05:47 PM
الإبتسامة ..... شبكة لصيد الآخرين
كنتُ جالسًا في مؤخرة سمنير كنيسة مدينة هارنم بهولندا ( المعهد الكهنوتي) أتأمّل في لوحة الفنان الاسبانيالشهير الراحل ( سلفادور دالي) التي صوّر فيها وجه المسيح المُتألم ، فوقع نظريعلى عين ذلك المصلوب ، وإذا بأبتسامة شفافة تنطلق من عينيه ؛ إبتسامة تحتضن عالمناالبشري الممزق! حينها بدأت تجول في داخلي تساؤلات عديدة : كيف تجتمع الإبتسامة معالحزن والألم في الإنسان؟! ما سرّ هذا التناقض؟!
قد تبدو المسالة غريبة مُدهشة ..... والحق معكم ، لكن الحياة علمتني ان الإبتسامة هي تعبير عن الحزنالعميق المكنون في داخلنا!
قبل سنوات خلت ، كنت قد قراءت في كتاب " تأمّلات في الإنسان" للاديب والناقد المصري رجاء النقاش، إن المصريين القدماءاختبروا هذه الخبرة المتناقضة. إذ كانوا يحملون اقوى واعنف الاحزان والآلام في اعماقهم ثميعبرون ويجسدون احزانهم بافرح وإبتسامات والنُكت. لقد كافحوا ضد الحزن فجعلوا من قبورهمهرمًا ضخمًا ويذهبون إلى العالم الآخر في ( زفة) من الرقص والاغاني والبهجة ، بليحملون معهم الطعام والجواهر وكأنهم في عرس لا في مقبرة!
ومن خلال ما سبق ادركتان حياة هؤلاء الناس كانت تجربة محزنة وأليمة دفعتهم للإبتسامة . وهنا يكمن سرّالإبتسامة.
وأتفق تمامًا مع ما قاله الفيلسوف الالماني "نيتشة" بقوله: " الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يضحك ، لأنه وحده الذي يتألم اشد الألم ؛ ألم أجبرهعلى اختراع الضحك".
للإبتسامة معانٍ عدة ، فهي:
_
نافذة تخلصنا من ما هومكبوت في الأعماق ....فهي وسيلة تنفس يستخدمها الإنسان ليتجاوز همومه ....
_
جسر إلى الآخر ودليل آنفتاحناعليه.
_ لغة الإنسان الناجح
وتبقى الإبتسامة أكثر من أن توصف او تقاس....
ويسرني هنا أن أسوق للقرّاء خبرة مُعبرة في هذا الصدد :
في مطلع عام 2008اصطحبت كادر التعليم المسيحي في رياضة روحية لكنيسة القديسة تريزا للكلدان فيدمشق ، هذه الكنيسة التي احببتها وخدمتها بكل جوارحي طيلة عامين ، وشدينا الرحال لديرالكلدان في الابطار شمال سورية الحبيبة ، فأنطلقنا فرحين مستعدين للاختلاء والصمتوعبرنا عن هذا الفرح بالصلاة والتامل ومجاميع النقاش والقدّاس والمحاضرات والترتيل .... وما ان اتممنا رياضتنا الروحية كان لنا يوم ثانٍ من اللعب والدبكات والمسابقاتواستكشاف المكان ...... كنا فرحين ، لكن في عمق كل منّا حزن يطفوا على فرحه، حزنجسدناه في ألتقاطنا للصوّر. نحن نبتسم في الصور والحزن يبرق من عيوننا ؛ فلقأنا وبهجتنا سيتحولان إلى ذكرى !! ومالصور الملتقطة إلاّ رغبة صريحة وواضحة في الإنسانلتخليد احداثه ومناسباته الجميلة! لذا تجدون كاميرات الفيدو والفوتوغراف ترافقمناسباتنا وافراحنا وسفراتنا . ( انها رغبة حزينة لتخليد أفراحنا) ! فالحياة لاتحمل لنا طعم السعادة الدائمة ، فكل شي في الحياة له محطة يقف عندها ويتلاشى . لذااذهب لاقول:
إن الإبتسامة هي تجسيد لعمق الحزن المكنون في داخلنا!
كانت زوجة الاديب الروسي ( تيشكوف) قد روت بأنها كانتيائسة بلا أمل ورجاء ، لأن ساعة الموت إقتربت لتخطف منها نصفها الاخر وشريكحياتها التي عاشت معه الحلوة والمرة، ولكن كلّ هذا تبدد مثلما يتبدد الضباب عندمااضحكها تيشكوف وهو على فراش الموت . وتضيف: "إن الذكرى التي لا تزال عالقةفي أذهانها هي إبتسامة زوجها قبل وفاته".
هكذا هي الإبتسامة تترك أثرًافعالاً في أعماقنا ؛ فصدق من قال عنها:" إنها أقل مصروفًا من الكهرباء ، لكنها أكثرإشراقًا".
يؤلمني أن أرى أُناسًا وهم ليسوا بالقليلين قد تناسوا معنىالإبتسامة فأنغلقوا على احزانهم وباتوا يعيشون حياة لا يحسدون عليها، فتراهممتشائمين . تسود الدنيا في عينيك إذا تحدثت معهم لبضع دقائق!
كان هو،وما زال يظن أن قوة شخصيته تكمن في عبوس وجهه وتجاهل الآخَرين ونظرته الفوقية.... وأن أبتسم فإبتسامته بالمثاقيل! لكنّ صاحبنا تناسى أن أحدى مميزات جمال شخصيةالإنسان تتجلى في الإبتسامة الصادقة والكلمة الطيبة والروح المنفتحة والقلب النقي . وعن خبرة أقول: لا أجمل من أن يستقبلنا الآخر بإبتسامة عريضة صادقة والعكس بالعكس.
كان أحد مسؤلينا في المعهد الكهنوتي أيام تنشئتي فيه في العراق، لا يمل من أن يبتسم في وجوهنا .... وكأن في إبتسامته إشراقة شمس ، لانها إبتسامة صادقة نابعة من الأعماق؛ صدقونيإن الإبتسامة النابعة من القلب تكون أكثر تعبيرًا مما تقوله الكلمات وتترك أثرًاخالدًا في النفوس!
وما لا اطيقه في هذه الدنيا هو تلك الإبتسامة المصطنعة الغيرالفعالة والتي تجعل الوجه عاطلاً عن التعبير، أو تلك الإبتسامة الجارحة التي لا طائلمنها سوى السخرية والإنتقاص من قيمة الآخر ، ولا أتعس من ذلك الوجه الذي يبتسم حسبالاهواء والمزاج والكيف!
ختامًا:
الإبتسامة سرّ ..... فهيتلك الشبكة التي نُصيد من خلالها قلوب الآخَرين ....
الإبتسامة الصادقة شمس لا تعرفالغروب ..... لذا لا تبخل بإبتسامتك الصادقة عن الآخرين. فالإبتسامة الحقيقية صدىوإنعكاس ذات معنى ايجابي على الآخر .... فإبتسم وابتسم وثم ابتسم .... فلا أجمل من معاني الإبتسامة الصادقة.
تحياتي لندا قرانا
كنتُ جالسًا في مؤخرة سمنير كنيسة مدينة هارنم بهولندا ( المعهد الكهنوتي) أتأمّل في لوحة الفنان الاسبانيالشهير الراحل ( سلفادور دالي) التي صوّر فيها وجه المسيح المُتألم ، فوقع نظريعلى عين ذلك المصلوب ، وإذا بأبتسامة شفافة تنطلق من عينيه ؛ إبتسامة تحتضن عالمناالبشري الممزق! حينها بدأت تجول في داخلي تساؤلات عديدة : كيف تجتمع الإبتسامة معالحزن والألم في الإنسان؟! ما سرّ هذا التناقض؟!
قد تبدو المسالة غريبة مُدهشة ..... والحق معكم ، لكن الحياة علمتني ان الإبتسامة هي تعبير عن الحزنالعميق المكنون في داخلنا!
قبل سنوات خلت ، كنت قد قراءت في كتاب " تأمّلات في الإنسان" للاديب والناقد المصري رجاء النقاش، إن المصريين القدماءاختبروا هذه الخبرة المتناقضة. إذ كانوا يحملون اقوى واعنف الاحزان والآلام في اعماقهم ثميعبرون ويجسدون احزانهم بافرح وإبتسامات والنُكت. لقد كافحوا ضد الحزن فجعلوا من قبورهمهرمًا ضخمًا ويذهبون إلى العالم الآخر في ( زفة) من الرقص والاغاني والبهجة ، بليحملون معهم الطعام والجواهر وكأنهم في عرس لا في مقبرة!
ومن خلال ما سبق ادركتان حياة هؤلاء الناس كانت تجربة محزنة وأليمة دفعتهم للإبتسامة . وهنا يكمن سرّالإبتسامة.
وأتفق تمامًا مع ما قاله الفيلسوف الالماني "نيتشة" بقوله: " الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يضحك ، لأنه وحده الذي يتألم اشد الألم ؛ ألم أجبرهعلى اختراع الضحك".
للإبتسامة معانٍ عدة ، فهي:
_
نافذة تخلصنا من ما هومكبوت في الأعماق ....فهي وسيلة تنفس يستخدمها الإنسان ليتجاوز همومه ....
_
جسر إلى الآخر ودليل آنفتاحناعليه.
_ لغة الإنسان الناجح
وتبقى الإبتسامة أكثر من أن توصف او تقاس....
ويسرني هنا أن أسوق للقرّاء خبرة مُعبرة في هذا الصدد :
في مطلع عام 2008اصطحبت كادر التعليم المسيحي في رياضة روحية لكنيسة القديسة تريزا للكلدان فيدمشق ، هذه الكنيسة التي احببتها وخدمتها بكل جوارحي طيلة عامين ، وشدينا الرحال لديرالكلدان في الابطار شمال سورية الحبيبة ، فأنطلقنا فرحين مستعدين للاختلاء والصمتوعبرنا عن هذا الفرح بالصلاة والتامل ومجاميع النقاش والقدّاس والمحاضرات والترتيل .... وما ان اتممنا رياضتنا الروحية كان لنا يوم ثانٍ من اللعب والدبكات والمسابقاتواستكشاف المكان ...... كنا فرحين ، لكن في عمق كل منّا حزن يطفوا على فرحه، حزنجسدناه في ألتقاطنا للصوّر. نحن نبتسم في الصور والحزن يبرق من عيوننا ؛ فلقأنا وبهجتنا سيتحولان إلى ذكرى !! ومالصور الملتقطة إلاّ رغبة صريحة وواضحة في الإنسانلتخليد احداثه ومناسباته الجميلة! لذا تجدون كاميرات الفيدو والفوتوغراف ترافقمناسباتنا وافراحنا وسفراتنا . ( انها رغبة حزينة لتخليد أفراحنا) ! فالحياة لاتحمل لنا طعم السعادة الدائمة ، فكل شي في الحياة له محطة يقف عندها ويتلاشى . لذااذهب لاقول:
إن الإبتسامة هي تجسيد لعمق الحزن المكنون في داخلنا!
كانت زوجة الاديب الروسي ( تيشكوف) قد روت بأنها كانتيائسة بلا أمل ورجاء ، لأن ساعة الموت إقتربت لتخطف منها نصفها الاخر وشريكحياتها التي عاشت معه الحلوة والمرة، ولكن كلّ هذا تبدد مثلما يتبدد الضباب عندمااضحكها تيشكوف وهو على فراش الموت . وتضيف: "إن الذكرى التي لا تزال عالقةفي أذهانها هي إبتسامة زوجها قبل وفاته".
هكذا هي الإبتسامة تترك أثرًافعالاً في أعماقنا ؛ فصدق من قال عنها:" إنها أقل مصروفًا من الكهرباء ، لكنها أكثرإشراقًا".
يؤلمني أن أرى أُناسًا وهم ليسوا بالقليلين قد تناسوا معنىالإبتسامة فأنغلقوا على احزانهم وباتوا يعيشون حياة لا يحسدون عليها، فتراهممتشائمين . تسود الدنيا في عينيك إذا تحدثت معهم لبضع دقائق!
كان هو،وما زال يظن أن قوة شخصيته تكمن في عبوس وجهه وتجاهل الآخَرين ونظرته الفوقية.... وأن أبتسم فإبتسامته بالمثاقيل! لكنّ صاحبنا تناسى أن أحدى مميزات جمال شخصيةالإنسان تتجلى في الإبتسامة الصادقة والكلمة الطيبة والروح المنفتحة والقلب النقي . وعن خبرة أقول: لا أجمل من أن يستقبلنا الآخر بإبتسامة عريضة صادقة والعكس بالعكس.
كان أحد مسؤلينا في المعهد الكهنوتي أيام تنشئتي فيه في العراق، لا يمل من أن يبتسم في وجوهنا .... وكأن في إبتسامته إشراقة شمس ، لانها إبتسامة صادقة نابعة من الأعماق؛ صدقونيإن الإبتسامة النابعة من القلب تكون أكثر تعبيرًا مما تقوله الكلمات وتترك أثرًاخالدًا في النفوس!
وما لا اطيقه في هذه الدنيا هو تلك الإبتسامة المصطنعة الغيرالفعالة والتي تجعل الوجه عاطلاً عن التعبير، أو تلك الإبتسامة الجارحة التي لا طائلمنها سوى السخرية والإنتقاص من قيمة الآخر ، ولا أتعس من ذلك الوجه الذي يبتسم حسبالاهواء والمزاج والكيف!
ختامًا:
الإبتسامة سرّ ..... فهيتلك الشبكة التي نُصيد من خلالها قلوب الآخَرين ....
الإبتسامة الصادقة شمس لا تعرفالغروب ..... لذا لا تبخل بإبتسامتك الصادقة عن الآخرين. فالإبتسامة الحقيقية صدىوإنعكاس ذات معنى ايجابي على الآخر .... فإبتسم وابتسم وثم ابتسم .... فلا أجمل من معاني الإبتسامة الصادقة.
تحياتي لندا قرانا