نونه البزونه
2008-07-28, 11:47 PM
حين يصبح الغد مجرد ذكرى
(قصة قصيرة ستتم مسرحتها قريباً)
- آلو ...كيف حالك سيدتي ؟
- الحمد لله ...بخير ...وأنت ؟
- أنا بخير
الفرصة سانحة للصمت كي يتحدث بلغة هادئة تشبه رتابة الأنفاس الآتية من خلال الهاتف ، وثمة حشرجة تتناغم مع كلمات جوابها المتقطع تكاد أن تشبه حشرجة المخنوق ، توشك أن توقض لديه الإحساس بنشوة الارتعاش بحضرة الغنج الأنثوي .
لم يعد هناك ما يمكن أن يقال ، وليس بوسع الكلمات غير أن تصبح كركرة مخنوقة تتدلى من سقف غرفته ..نحو السرير ، وليس هناك ما يوحي بأن أحدهما يمكن أن يجتث جذور الإرتباك ليبدأ بحوار غبي مستهلك يمكن أن يبدد هذا الصمت الملكوتي المقدس ...كان يعرف بأن الأنفاس المتقطعة يمكن أن تختزل الكلمات بشكل أروع .
الثمالة بدأت تدب كالنمل في أعصابه ، غير أن (نوتة) انقطاع الخط تركت ورائها سيلاً من شتائمه على شركة الهاتف ، وسيلاً من الإتهامات للحظ المنكفئ .
بتثاقل يشبه دخول العذراء الى مخدع عاشق لأول مرة ..وضع السماعة ، وأخذ يحدق بالهاتف باحثاً عن أي بصيص أمل لشجاعة موقوته يمكن أن تدفعه لأن يطلب نمرتها من جديد ..ولكن الإرتعاش من البوح ، والخوف من انهيار الكتمان تجاذباه ليعلن استسلامه وعجزه عن إعادة الكرّة .
- لن أخبرها .... لن أحرمها متعة المفاجأة .
وامتدت يده الى علبة السيجار التي سئمت – هي الأخرى – من الإنتظار ، وجففت تبغها تحت حرائق أنفاسه الموشكة على الإشتعال .
علبة السجائر كانت تتابع ارتجافاته وهو يحرك قرص الأرقام على الهاتف ، وتتلصص على ملامحه التي بدت كأنها ملامح مسافر وصل متأخراً عن موعد آخر قطار لهذه الليلة .
علبة السجائر .. كانت تهيئ نفسها لتكون تسليته الوحيدة بعد إخفاقاته في التعبير ، وتهزأ من انتظاره الممل في أن يحصل على تأشيرة لدخول المملكة العربية السعودية منذ شهر كامل .
- حسناً ..من سيقنع السفير السعودي بمنحي تأشيرة دخول الى المملكة ؟؟
الساعة أشبه بشيخ عاجز عن الحراك ..ورقاصها المتعب يفصح عن ضجره من الرتابة في الرواح والمجئ ، والليل أشبه ما يكون بسكران مرتمٍ على سرير من أسرّة فنادق الدرجة الرديئة ، الوقت لا يريد أن يصحو من سكرته ليفسح مجالاً للفجر بالبزوغ ، وثمة أمنية تروح وتجئ كأنها مغزل النول بين مخيلة هذا العاشق وباب السفارة .. أوه .. من يكبس على دواسة الوقود في عجلة الزمن كي يأتي الصباح ؟
- أيكون السفير قد اقتنع بقصتي ؟ أ يمكن للسفير أن يعرف معنى احتراق العاشقين ؟
وبخطوات تشبه خطوات السلحفاة ..بدأ الخيط الأبيض من الفجر يزاحم عباءة الليل ، وينفث نفسه كدخان أبيض عبر الأفق ليطرد الفجر الكاذب من الليل ، وليستفز صياح الديك المؤذن بتباشير صبح الخليقة ، يكاد العاشق أن يطل من نافذته لكي يوقض كل ديكة الأرض ويستفزها لكي تصيح .
بدأ العاشق يلتف على ضجره ، أخذ يستبدل ثيابه ، ويحسب طول المسافة من بيته الى مبنى السفارة التي أدمن مراجعتها ، ليضربها بعدد الدقائق ، ويقسم الوقت بين توقفه وهرولته للوصول اليها ، يحلم أن يطبع قبلة حرّى على (الفيزا) التي بدأ يكرهها ولكنه يعبدها .
- الحمد لله ...السفارة بدأت تفتح أبوابها
موظف الإستعلامات الأسمر السحنة بدأ يتثاقل منزعجاً من كثرة إلحاح هذا المراجع – العاشق – الذي بدأت أصاببعه تحفر بصماتها على جدران السفارة من الخارج بفعل طول اتكاءه والإنتظار ، وطبع آثار خطواته – الملايين – على بوابتها المكتظة بملل الإحتضار ، ولكن العاشق لا يكره موظف الإستعلامات ..فسحنته السمراء تذكره بسحنة حبيبته التي يتوقع انها ستكون سمراء بلون رمال الجزيرة .
- يارب ...أكاد أحسك على باب السفارة ...كن معي ولو لمرة واحدة
يريد العاشق أن يطير لما تبقى من الخطوات كي يصل الى بوابة السفارة المفضية الى أمله في اللقاء ، حائر في شكل الملامح التي يجب أن يرسمها على وجهه لو علم بقرار السفير ، إنه القرار الأخير ...واليوم الأخير .
- صباح الخير !!!
قالها العاشق وهو يتكلف رسم ابتسامة عريضة منافقة على وجهه المكتظ بالتعب والنعاس .
- أنت ثانية ؟؟ هات جواز سفرك الأصلي وانتظر بعيداً .
لم يعد يعرف - حين سمع كلام الموظف - من أين يمكن أن يحصل على قوة تمسك ارتجاف أصابعه كي يستل الجواز من جيبه ، ولم يعد بوسع وجهه أن يخفي ملامح الإحمرار المعبر عن الفرح الذي يكاد أن ينفجر في وجنتيه ، لم يعد بمقدوره أن يفرمل أنفاسه التي بدأت تتسارع في سباق مع ضربات قلبه ، وكادت أصابعه أن تتيه عن مكان جيبه .
- تفضل سيدي .... جوازي تحت أمرك .... بلّغ سعادة السفير شكري على موافقته.
لم ينبس الموظف ببنت شفه ..بل رمقه بنظرة متعالية مشيراً إليه أن يبتعد عن باب الإستعلامات ، وينتظر خارجاً ريثما تكتمل الإجراءات النبيـّة الخطوات ، منتظراً تحت أشعة شمس الصباح الأقرب الى الله من الأرض ، ممسداً على جيبه الخلفي كي يتحسس ثمن مقتنيات عمره التي سيدفعها ثمناً لتذكرة الطائرة .
- حسناً سيدتي ..سأكون في المطار قبل إقلاع الطائرة بساعتين ..فقط هات التذكرة كي أراها .
متعبٌ ، ولكنه لا يريد أن ينام ، يداعب حقيبته بعيونه المثقلة الأجفان ، لا يريد أن يغفو على مقعد انتظار المسافرين ...
- أنت أيها المقعد ..أعرف أنك تريدني أن أغفو كي تفوتني الطائرة ..لا ..لن أستسلم للنعاس ..لن أستسلم لدفئك ...سأستبدلك .
جلس في مكان آخر .... تكاد أنفاسه أن تتوقف مع كل إعلان تبثه إذاعة المطار عن هبوط طائرة أو مغادرتها ، أحس أن كل المسافرين يصافحونه بحرارة ليهنئوه على لحظة لقاءه المرتقب بحبيبته البعيدة عنه ..والقريبة من بيت الله ، ولم تعد ذاكرته لتقبل أن تتنازل عن نشوة تذكّر لحظة معرفته بالحسناء السعودية التي لم يرها ، ولم يسمع صوتها سوى مرة واحدة عبر الهاتف المشاكس .
أسند رأسه الى حافة المقعد ، وشبك أصابعه خلف رأسه ، وراح يتذكر اليوم الأول ، الليلة الأولى ، التي تعرّف اليها عبر الأنترنيت ...وكيف أبدت إعجابها بقصائده ..وكيف غازلت رجولته ونرجسيته بكلمات تشبه ضحكات طفل ، ولم يكن يعرف لماذا اختزلت عالمه بكلماتها التي تراءت له كأنها نشوة احتساء كأس من النبيذ الأحمر بنكهة التوت ..لم يكن يعرف لماذا أحبها منذ أول حوار ، لم يكن يعرف لماذا لم تستفزه كل رسائل الإعجاب التي تلقاها من نساء الأرض ، كان يسأل نفسه كثيراً :- لماذا هي بالذات ؟ ، ولكن جواباً مريحاً أو مقنعاً لم يكن بحوزته ، فكل ما يعرفه هو أنه لابد أن يكون معها ، وبأي ثمن .
عام كامل من الإنتظار الخجول ..كي تمنحه رقم هاتفها ...عام كامل من الإحتراق دون أن يصرح لها بحبه ، عام كامل من ساعات الصمت أمام (المونيتر) بانتظار أن تضئ أمامه لوحة دخولها الى الـ (ماسينجر) ...ولكن ..قبل أسبوع فقط منحته فرصة أن يسمع صوتها عبر الهاتف ، ومنحته فرصة الخدر الذي لم ينتشِ به منذ سنين من الإنتظار .
كان يخطط للسفر الى السعودية كي يراها ..يريد أن يراهن على مفاجأتها .. أحس بين كلماتها التي تبعثها له عبر (الأنترنيت) بحب لا تستطيع أن تبوح له بها ..وأحس حينها ، بأنها - كأي امرأة شرقية - فهي تنتظر منه روح المبادرة ، وتشتهي به روح المغامرة ..ولكنه كان يختزن مشاعره داخل جرح يكاد أن ينفتق .
- حسناً ..سأفاجئها ...سأتصل بها من مطار الرياض ..وستأتي لإستقبالي حتماً ..
وأحس مرة أخرى باختناق لذيذ حين تخيل أنه يقف أمامها في المطار ..وينظر بعينيها ، ويتنقل بنظراته الملتهبة بين عينيها ومفرق شعرها الذي يتوقع أنه أسود فاحم كشعر كل السعوديات ، أحس أنه يشعر بالحرج من إخفاء حمرة وجهه وهو يقول لها ....أحبك ، وكيف سيتسنى له أن يحضنها بين الناس ...هل سيقول لها (أحبك) دون أن يحضنها ؟؟ أمعقولٌ هذا ؟ وهل سيحضنها على مرآى ومسمع من سلطة الكهنوت والعيون التي تدق من خلف الأقنعة ؟
- أعرف أنني مجنون ...أمي أخبرتني مراراً أنني لست مثل الآخرين ...كانت تقول لي أنت شاعر ومجنون ...رحمها الله ...أوه ....كم أتمنى أن تكون معي الآن ؟ ليتك تعيشين معي هذه القصة ....حبيبة لم أرها من قبل ..أسافر من أجلها ....
ضحك بصوت مسموع ...ولكن الخوف بدأ يدب في أعضائه مخافة أن يلتقيها ولا يعجبها شكله ..صحيح أنه لم يرها أبداً أبداً ..ولكنه سيتعرف إليها دون عناء ، فثمة صورة مكتنزة لها في ذاكرته منذ أول قصيدة كتبها وهو طفل لا يتجاوز التاسعة من العمر ...ما زال يحتفظ بملامحها ولوعة الحلم والإنتظار ...سيتعرف إليها أكيداً ..لأنها ستضع له علامة كي يتعرف إليها طبعاً .
- المسافرون على الخطوط الجوية السعودية الى الرياض ..يرجى التوجه الى البوابة رقم 3
لم تكن لديه سوى حقيبة يد صغيرة ، أهم ما فيها هدية ناعمة كإحساسه ... خاتم رقيق – قبل أنه من الماس - أهدته إليه إحدى المعجبات في العام الفائت ..يريد أن يقدمه لحبيبته الضبية السعودية حين يقول لها ..أحبك ...وتبتسم .
- الخاتم رجالي ..صحيح ..ولكن لا بديل عنه ..وهي ستحترم جنوني ...لقد قالت لي مرة إنها تحب جنوني .
همس بذلك مع نفسه ..وهو يقبض على الخاتم الذي استله من حقيبته .
نافذة الطائرة ضيقة ، لم تكن تكفيه ليرتشف المسافة الى الرياض ...لم تكن تمنحه الفرصة ليرى الرياض من مكان مرتفع ...ولكن سيكتفي بصوت الكابتن ليعلن عن الهبوط بمطار الرياض ، هذا الصوت الذي بدأ كأنه يبعث ارتعاشات غريبة في جسده ...الرياض ..الرياض ...الرياض ....منذ عام وأنا أحلم بها ..ترى كيف ستكون ؟
حقيبة اليد التي يحملها لم تكن ثقيلة ..كان يدفعها برجله وهو يقف في الصف بانتظار أن يختم جوازه ويمر عبر آخر الحواجز في مطار الرياض ..ولكن المسافة بينه وبين موظف الجوازات بدت كأنها تفصل بين السماء والأرض ...والخطوات التي بينه وبين بوابة الدخول الى المدينة بدت كأنها أبعد من المسافة بين المشرق والمغرب .ولا يعرف لماذا بدأ يحب العفريت الذي حمل عرش بلقيس من اليمن الى فلسطين قبل أن يرتد الطرف لسليمان .
- ماذا لديك في المملكة ..
قالها موظف الجوازات وهو يتصفح جواز السفر ويتحقق من التأشيرة .
وبينما كان الموظف بانتظار الجواب ، بدأ العاشق يتلعثم ..ولا يعرف هل سيعيد نفس التوسلات التي توسلها بالسفير ؟ وهل ستكون قصته مقنعة لموظف المطار الذي تفسر لحيته معنى غزارة الإنتاج وسوء التوزيع ؟
- زيارة ...للزيارة فقط يا سيدي
نظرات موظف الجوازات تبدو كأنها مريبة ...ولا علاقة لها بصياح الديك....أو الخيط الأبيض من الفجر .
- طيب ...انتظر هناك ريثما يبت الضابط بمسألتك .
حسناً ..لا بد من افساح المجال للآخرين كي يختموا جوازاتهم ويمروا ..من يستطيع أن يخبر الضابط أن العاشق سيموت من الإنتظار ؟ من يستطيع أن يترجم للعاشق ما يدور من الهمس بين الضابط والموظف عبر حاجز الزجاج من بعيد ؟ أحس العاشق أنه الآن قريب من الله ، قريب من بيت الله ، ولابد لله أن يسمع دعاءه في المملكة بشكل أوضح ...ولابد أن الإستجابة ستكون أسرع .ولم يكن أمامه سوى أن يتمتم بكلمة ( يا رب ..يا رب ...يا رب ) ويكررها مراراً كي يكسر بها حاجز الصمت ، ويستفز بها حنان الله .
- تفضل جوازك أخي ..تأشيرتك غير مختومة من سفارتنا ... ستعود الى وطنك على متن الطائرة نفسها ..نحن نعتذر .....أمامك ربع ساعة ..
المسافة التي تفصل بينه وبين الرياض ليس أكثر من بضعة أمتار ..يكاد أن يرى شوارعها عبر النافذة الزجاجية العريضة ...حلمه يكاد أن يتلاشى خلف الأضواء التي تتكسر على زجاج النافذة ...وبدا له أن المسافرين الآن يسخرون منه ..كم هي ملعونة لحظة الإنكسار ...العالم كله الآن مختزل بلحظة أن يلقاها ويقول لها ...(أحبك) ...وتوسلاته بالموظفين لم تجد نفعاً ..وخيل إليه أن النداءات التي تبثهنا موظفة المطار عبر المذياع ليست سوى محض ضجيج ...من يخبر حبيبته أنه وصل الى الرياض ؟ من يخبرها أنه باع مكتبته للحصول على تذكرة السفر ؟ من يخبرها أنه قاتل كي يفاجأها بحضوره ..من سيخبرها بالهدية التي أحضرها ؟ لابد من هاتف ...لابد من وسيلة ....أليس هناك من هاتف ؟
- سيدي ..هل يمكنني أن أستعمل هاتفك لإجري اتصالاً ؟
لم تكن أصابعه لتكف عن الإرتعاش ..ولم يكن صوته ليتقمص نبرة الفرح ، وأحس بأن دخان السجائر مكتظ كالرمل في حنجرته التي لم يبللها سوى الماء منذ الصباح ..حسناً ..هاهو رقمها في الرياض .
- آلو ...مرحباً عنود
- مرحباً بك ..تفضل ..أنا لست عنود ...أنا ممرضتها
- ممرضتها ؟
- نعم ...الممرضة ..أجيبك من هاتفها النقال ..البقية بحياتك ...
- لماذا ؟؟ ما معنى البقية بحياتك ؟ ماذا جرى ؟ أخبريني رجاءً
- البقية بحياتك ..لم تعد المسكينة تتحمل ألم المرض ..سنة كاملة من الألم تكفي ...وأسبوعها الأخير كاف أن يهد بوجعه الجبال ...بذلنا جهدنا ..ولكنها توفيت قبل لحظات .... تعالوا لتكملوا أوراق استلام الجثمان ؟ ألو ...هل تسمعني ؟ ألو ...آلو ...آلو
إتكأ العاشق على الجدار ...وشيئاً فشيئاً بدأ ينزلق الى الأرض ونظراته شاخصة نحو بوابة الدخول ....حين استقر جسده على الأرض تعلقت عيناه بيده الممسكة بالخاتم ...
- سيدي !!! إحمل حقيبتك ..لم يعد لديك متسع من الوقت
ومن نافذة الطائرة الضيقة ...بدأ ينظر الى أضواء المدينة ، يبحث عن مكان بين هذا الضخب ..ترى بأي مكان هي الآن ؟ وحتى هذه اللحظة لم يذرف دمعة واحدة من عينيه ...ما زال يلتهم المدينة بعينيه الجاحضتين..وينظر نحو العتمة الممتدة الى ما لا نهاية .. يحلم أن يصادف روحها التي ترتفع معه نحو السماء .
لم يزل ممسكاً بالخاتم ..بدأ يتذكر أدق التفاصيل ..كلماتها المكتوبة ..صمتها الطويل عبر الأنترنيت ..عدم موافقتها في أن ترسل له صورتها ...هربها الخجول من كلماته العاشقة التي يبثها لها بين الحين ...كل هذا بدأ ينسل الى ذاكرته ..في لحظة أحس بها أن طيفاً لشبح أبيض خلف زجاج نافذة الطائرة يلوح له من بعيد ..وأحس أن نسمة هادئة تمر على وجهه المتعب لتبعث بجسده رعشة لذيذة وكأنها تمسد على عينيه كي ينام ..بقيت عينه شاخصة نحو النافذة ..واختفى الشبح الأبيض ..تاركاً وراءه عتمة لا حدود لها ..بينما راحت عيناه تغمضان بخدر ...وارتخت يداه ...الخاتم تدحرج على أرض الطائرة ..ليترك وراءه عاشقاً ..وحلماً ..وقصة ...وذكرى
الكاتب راسم المرواني
(قصة قصيرة ستتم مسرحتها قريباً)
- آلو ...كيف حالك سيدتي ؟
- الحمد لله ...بخير ...وأنت ؟
- أنا بخير
الفرصة سانحة للصمت كي يتحدث بلغة هادئة تشبه رتابة الأنفاس الآتية من خلال الهاتف ، وثمة حشرجة تتناغم مع كلمات جوابها المتقطع تكاد أن تشبه حشرجة المخنوق ، توشك أن توقض لديه الإحساس بنشوة الارتعاش بحضرة الغنج الأنثوي .
لم يعد هناك ما يمكن أن يقال ، وليس بوسع الكلمات غير أن تصبح كركرة مخنوقة تتدلى من سقف غرفته ..نحو السرير ، وليس هناك ما يوحي بأن أحدهما يمكن أن يجتث جذور الإرتباك ليبدأ بحوار غبي مستهلك يمكن أن يبدد هذا الصمت الملكوتي المقدس ...كان يعرف بأن الأنفاس المتقطعة يمكن أن تختزل الكلمات بشكل أروع .
الثمالة بدأت تدب كالنمل في أعصابه ، غير أن (نوتة) انقطاع الخط تركت ورائها سيلاً من شتائمه على شركة الهاتف ، وسيلاً من الإتهامات للحظ المنكفئ .
بتثاقل يشبه دخول العذراء الى مخدع عاشق لأول مرة ..وضع السماعة ، وأخذ يحدق بالهاتف باحثاً عن أي بصيص أمل لشجاعة موقوته يمكن أن تدفعه لأن يطلب نمرتها من جديد ..ولكن الإرتعاش من البوح ، والخوف من انهيار الكتمان تجاذباه ليعلن استسلامه وعجزه عن إعادة الكرّة .
- لن أخبرها .... لن أحرمها متعة المفاجأة .
وامتدت يده الى علبة السيجار التي سئمت – هي الأخرى – من الإنتظار ، وجففت تبغها تحت حرائق أنفاسه الموشكة على الإشتعال .
علبة السجائر كانت تتابع ارتجافاته وهو يحرك قرص الأرقام على الهاتف ، وتتلصص على ملامحه التي بدت كأنها ملامح مسافر وصل متأخراً عن موعد آخر قطار لهذه الليلة .
علبة السجائر .. كانت تهيئ نفسها لتكون تسليته الوحيدة بعد إخفاقاته في التعبير ، وتهزأ من انتظاره الممل في أن يحصل على تأشيرة لدخول المملكة العربية السعودية منذ شهر كامل .
- حسناً ..من سيقنع السفير السعودي بمنحي تأشيرة دخول الى المملكة ؟؟
الساعة أشبه بشيخ عاجز عن الحراك ..ورقاصها المتعب يفصح عن ضجره من الرتابة في الرواح والمجئ ، والليل أشبه ما يكون بسكران مرتمٍ على سرير من أسرّة فنادق الدرجة الرديئة ، الوقت لا يريد أن يصحو من سكرته ليفسح مجالاً للفجر بالبزوغ ، وثمة أمنية تروح وتجئ كأنها مغزل النول بين مخيلة هذا العاشق وباب السفارة .. أوه .. من يكبس على دواسة الوقود في عجلة الزمن كي يأتي الصباح ؟
- أيكون السفير قد اقتنع بقصتي ؟ أ يمكن للسفير أن يعرف معنى احتراق العاشقين ؟
وبخطوات تشبه خطوات السلحفاة ..بدأ الخيط الأبيض من الفجر يزاحم عباءة الليل ، وينفث نفسه كدخان أبيض عبر الأفق ليطرد الفجر الكاذب من الليل ، وليستفز صياح الديك المؤذن بتباشير صبح الخليقة ، يكاد العاشق أن يطل من نافذته لكي يوقض كل ديكة الأرض ويستفزها لكي تصيح .
بدأ العاشق يلتف على ضجره ، أخذ يستبدل ثيابه ، ويحسب طول المسافة من بيته الى مبنى السفارة التي أدمن مراجعتها ، ليضربها بعدد الدقائق ، ويقسم الوقت بين توقفه وهرولته للوصول اليها ، يحلم أن يطبع قبلة حرّى على (الفيزا) التي بدأ يكرهها ولكنه يعبدها .
- الحمد لله ...السفارة بدأت تفتح أبوابها
موظف الإستعلامات الأسمر السحنة بدأ يتثاقل منزعجاً من كثرة إلحاح هذا المراجع – العاشق – الذي بدأت أصاببعه تحفر بصماتها على جدران السفارة من الخارج بفعل طول اتكاءه والإنتظار ، وطبع آثار خطواته – الملايين – على بوابتها المكتظة بملل الإحتضار ، ولكن العاشق لا يكره موظف الإستعلامات ..فسحنته السمراء تذكره بسحنة حبيبته التي يتوقع انها ستكون سمراء بلون رمال الجزيرة .
- يارب ...أكاد أحسك على باب السفارة ...كن معي ولو لمرة واحدة
يريد العاشق أن يطير لما تبقى من الخطوات كي يصل الى بوابة السفارة المفضية الى أمله في اللقاء ، حائر في شكل الملامح التي يجب أن يرسمها على وجهه لو علم بقرار السفير ، إنه القرار الأخير ...واليوم الأخير .
- صباح الخير !!!
قالها العاشق وهو يتكلف رسم ابتسامة عريضة منافقة على وجهه المكتظ بالتعب والنعاس .
- أنت ثانية ؟؟ هات جواز سفرك الأصلي وانتظر بعيداً .
لم يعد يعرف - حين سمع كلام الموظف - من أين يمكن أن يحصل على قوة تمسك ارتجاف أصابعه كي يستل الجواز من جيبه ، ولم يعد بوسع وجهه أن يخفي ملامح الإحمرار المعبر عن الفرح الذي يكاد أن ينفجر في وجنتيه ، لم يعد بمقدوره أن يفرمل أنفاسه التي بدأت تتسارع في سباق مع ضربات قلبه ، وكادت أصابعه أن تتيه عن مكان جيبه .
- تفضل سيدي .... جوازي تحت أمرك .... بلّغ سعادة السفير شكري على موافقته.
لم ينبس الموظف ببنت شفه ..بل رمقه بنظرة متعالية مشيراً إليه أن يبتعد عن باب الإستعلامات ، وينتظر خارجاً ريثما تكتمل الإجراءات النبيـّة الخطوات ، منتظراً تحت أشعة شمس الصباح الأقرب الى الله من الأرض ، ممسداً على جيبه الخلفي كي يتحسس ثمن مقتنيات عمره التي سيدفعها ثمناً لتذكرة الطائرة .
- حسناً سيدتي ..سأكون في المطار قبل إقلاع الطائرة بساعتين ..فقط هات التذكرة كي أراها .
متعبٌ ، ولكنه لا يريد أن ينام ، يداعب حقيبته بعيونه المثقلة الأجفان ، لا يريد أن يغفو على مقعد انتظار المسافرين ...
- أنت أيها المقعد ..أعرف أنك تريدني أن أغفو كي تفوتني الطائرة ..لا ..لن أستسلم للنعاس ..لن أستسلم لدفئك ...سأستبدلك .
جلس في مكان آخر .... تكاد أنفاسه أن تتوقف مع كل إعلان تبثه إذاعة المطار عن هبوط طائرة أو مغادرتها ، أحس أن كل المسافرين يصافحونه بحرارة ليهنئوه على لحظة لقاءه المرتقب بحبيبته البعيدة عنه ..والقريبة من بيت الله ، ولم تعد ذاكرته لتقبل أن تتنازل عن نشوة تذكّر لحظة معرفته بالحسناء السعودية التي لم يرها ، ولم يسمع صوتها سوى مرة واحدة عبر الهاتف المشاكس .
أسند رأسه الى حافة المقعد ، وشبك أصابعه خلف رأسه ، وراح يتذكر اليوم الأول ، الليلة الأولى ، التي تعرّف اليها عبر الأنترنيت ...وكيف أبدت إعجابها بقصائده ..وكيف غازلت رجولته ونرجسيته بكلمات تشبه ضحكات طفل ، ولم يكن يعرف لماذا اختزلت عالمه بكلماتها التي تراءت له كأنها نشوة احتساء كأس من النبيذ الأحمر بنكهة التوت ..لم يكن يعرف لماذا أحبها منذ أول حوار ، لم يكن يعرف لماذا لم تستفزه كل رسائل الإعجاب التي تلقاها من نساء الأرض ، كان يسأل نفسه كثيراً :- لماذا هي بالذات ؟ ، ولكن جواباً مريحاً أو مقنعاً لم يكن بحوزته ، فكل ما يعرفه هو أنه لابد أن يكون معها ، وبأي ثمن .
عام كامل من الإنتظار الخجول ..كي تمنحه رقم هاتفها ...عام كامل من الإحتراق دون أن يصرح لها بحبه ، عام كامل من ساعات الصمت أمام (المونيتر) بانتظار أن تضئ أمامه لوحة دخولها الى الـ (ماسينجر) ...ولكن ..قبل أسبوع فقط منحته فرصة أن يسمع صوتها عبر الهاتف ، ومنحته فرصة الخدر الذي لم ينتشِ به منذ سنين من الإنتظار .
كان يخطط للسفر الى السعودية كي يراها ..يريد أن يراهن على مفاجأتها .. أحس بين كلماتها التي تبعثها له عبر (الأنترنيت) بحب لا تستطيع أن تبوح له بها ..وأحس حينها ، بأنها - كأي امرأة شرقية - فهي تنتظر منه روح المبادرة ، وتشتهي به روح المغامرة ..ولكنه كان يختزن مشاعره داخل جرح يكاد أن ينفتق .
- حسناً ..سأفاجئها ...سأتصل بها من مطار الرياض ..وستأتي لإستقبالي حتماً ..
وأحس مرة أخرى باختناق لذيذ حين تخيل أنه يقف أمامها في المطار ..وينظر بعينيها ، ويتنقل بنظراته الملتهبة بين عينيها ومفرق شعرها الذي يتوقع أنه أسود فاحم كشعر كل السعوديات ، أحس أنه يشعر بالحرج من إخفاء حمرة وجهه وهو يقول لها ....أحبك ، وكيف سيتسنى له أن يحضنها بين الناس ...هل سيقول لها (أحبك) دون أن يحضنها ؟؟ أمعقولٌ هذا ؟ وهل سيحضنها على مرآى ومسمع من سلطة الكهنوت والعيون التي تدق من خلف الأقنعة ؟
- أعرف أنني مجنون ...أمي أخبرتني مراراً أنني لست مثل الآخرين ...كانت تقول لي أنت شاعر ومجنون ...رحمها الله ...أوه ....كم أتمنى أن تكون معي الآن ؟ ليتك تعيشين معي هذه القصة ....حبيبة لم أرها من قبل ..أسافر من أجلها ....
ضحك بصوت مسموع ...ولكن الخوف بدأ يدب في أعضائه مخافة أن يلتقيها ولا يعجبها شكله ..صحيح أنه لم يرها أبداً أبداً ..ولكنه سيتعرف إليها دون عناء ، فثمة صورة مكتنزة لها في ذاكرته منذ أول قصيدة كتبها وهو طفل لا يتجاوز التاسعة من العمر ...ما زال يحتفظ بملامحها ولوعة الحلم والإنتظار ...سيتعرف إليها أكيداً ..لأنها ستضع له علامة كي يتعرف إليها طبعاً .
- المسافرون على الخطوط الجوية السعودية الى الرياض ..يرجى التوجه الى البوابة رقم 3
لم تكن لديه سوى حقيبة يد صغيرة ، أهم ما فيها هدية ناعمة كإحساسه ... خاتم رقيق – قبل أنه من الماس - أهدته إليه إحدى المعجبات في العام الفائت ..يريد أن يقدمه لحبيبته الضبية السعودية حين يقول لها ..أحبك ...وتبتسم .
- الخاتم رجالي ..صحيح ..ولكن لا بديل عنه ..وهي ستحترم جنوني ...لقد قالت لي مرة إنها تحب جنوني .
همس بذلك مع نفسه ..وهو يقبض على الخاتم الذي استله من حقيبته .
نافذة الطائرة ضيقة ، لم تكن تكفيه ليرتشف المسافة الى الرياض ...لم تكن تمنحه الفرصة ليرى الرياض من مكان مرتفع ...ولكن سيكتفي بصوت الكابتن ليعلن عن الهبوط بمطار الرياض ، هذا الصوت الذي بدأ كأنه يبعث ارتعاشات غريبة في جسده ...الرياض ..الرياض ...الرياض ....منذ عام وأنا أحلم بها ..ترى كيف ستكون ؟
حقيبة اليد التي يحملها لم تكن ثقيلة ..كان يدفعها برجله وهو يقف في الصف بانتظار أن يختم جوازه ويمر عبر آخر الحواجز في مطار الرياض ..ولكن المسافة بينه وبين موظف الجوازات بدت كأنها تفصل بين السماء والأرض ...والخطوات التي بينه وبين بوابة الدخول الى المدينة بدت كأنها أبعد من المسافة بين المشرق والمغرب .ولا يعرف لماذا بدأ يحب العفريت الذي حمل عرش بلقيس من اليمن الى فلسطين قبل أن يرتد الطرف لسليمان .
- ماذا لديك في المملكة ..
قالها موظف الجوازات وهو يتصفح جواز السفر ويتحقق من التأشيرة .
وبينما كان الموظف بانتظار الجواب ، بدأ العاشق يتلعثم ..ولا يعرف هل سيعيد نفس التوسلات التي توسلها بالسفير ؟ وهل ستكون قصته مقنعة لموظف المطار الذي تفسر لحيته معنى غزارة الإنتاج وسوء التوزيع ؟
- زيارة ...للزيارة فقط يا سيدي
نظرات موظف الجوازات تبدو كأنها مريبة ...ولا علاقة لها بصياح الديك....أو الخيط الأبيض من الفجر .
- طيب ...انتظر هناك ريثما يبت الضابط بمسألتك .
حسناً ..لا بد من افساح المجال للآخرين كي يختموا جوازاتهم ويمروا ..من يستطيع أن يخبر الضابط أن العاشق سيموت من الإنتظار ؟ من يستطيع أن يترجم للعاشق ما يدور من الهمس بين الضابط والموظف عبر حاجز الزجاج من بعيد ؟ أحس العاشق أنه الآن قريب من الله ، قريب من بيت الله ، ولابد لله أن يسمع دعاءه في المملكة بشكل أوضح ...ولابد أن الإستجابة ستكون أسرع .ولم يكن أمامه سوى أن يتمتم بكلمة ( يا رب ..يا رب ...يا رب ) ويكررها مراراً كي يكسر بها حاجز الصمت ، ويستفز بها حنان الله .
- تفضل جوازك أخي ..تأشيرتك غير مختومة من سفارتنا ... ستعود الى وطنك على متن الطائرة نفسها ..نحن نعتذر .....أمامك ربع ساعة ..
المسافة التي تفصل بينه وبين الرياض ليس أكثر من بضعة أمتار ..يكاد أن يرى شوارعها عبر النافذة الزجاجية العريضة ...حلمه يكاد أن يتلاشى خلف الأضواء التي تتكسر على زجاج النافذة ...وبدا له أن المسافرين الآن يسخرون منه ..كم هي ملعونة لحظة الإنكسار ...العالم كله الآن مختزل بلحظة أن يلقاها ويقول لها ...(أحبك) ...وتوسلاته بالموظفين لم تجد نفعاً ..وخيل إليه أن النداءات التي تبثهنا موظفة المطار عبر المذياع ليست سوى محض ضجيج ...من يخبر حبيبته أنه وصل الى الرياض ؟ من يخبرها أنه باع مكتبته للحصول على تذكرة السفر ؟ من يخبرها أنه قاتل كي يفاجأها بحضوره ..من سيخبرها بالهدية التي أحضرها ؟ لابد من هاتف ...لابد من وسيلة ....أليس هناك من هاتف ؟
- سيدي ..هل يمكنني أن أستعمل هاتفك لإجري اتصالاً ؟
لم تكن أصابعه لتكف عن الإرتعاش ..ولم يكن صوته ليتقمص نبرة الفرح ، وأحس بأن دخان السجائر مكتظ كالرمل في حنجرته التي لم يبللها سوى الماء منذ الصباح ..حسناً ..هاهو رقمها في الرياض .
- آلو ...مرحباً عنود
- مرحباً بك ..تفضل ..أنا لست عنود ...أنا ممرضتها
- ممرضتها ؟
- نعم ...الممرضة ..أجيبك من هاتفها النقال ..البقية بحياتك ...
- لماذا ؟؟ ما معنى البقية بحياتك ؟ ماذا جرى ؟ أخبريني رجاءً
- البقية بحياتك ..لم تعد المسكينة تتحمل ألم المرض ..سنة كاملة من الألم تكفي ...وأسبوعها الأخير كاف أن يهد بوجعه الجبال ...بذلنا جهدنا ..ولكنها توفيت قبل لحظات .... تعالوا لتكملوا أوراق استلام الجثمان ؟ ألو ...هل تسمعني ؟ ألو ...آلو ...آلو
إتكأ العاشق على الجدار ...وشيئاً فشيئاً بدأ ينزلق الى الأرض ونظراته شاخصة نحو بوابة الدخول ....حين استقر جسده على الأرض تعلقت عيناه بيده الممسكة بالخاتم ...
- سيدي !!! إحمل حقيبتك ..لم يعد لديك متسع من الوقت
ومن نافذة الطائرة الضيقة ...بدأ ينظر الى أضواء المدينة ، يبحث عن مكان بين هذا الضخب ..ترى بأي مكان هي الآن ؟ وحتى هذه اللحظة لم يذرف دمعة واحدة من عينيه ...ما زال يلتهم المدينة بعينيه الجاحضتين..وينظر نحو العتمة الممتدة الى ما لا نهاية .. يحلم أن يصادف روحها التي ترتفع معه نحو السماء .
لم يزل ممسكاً بالخاتم ..بدأ يتذكر أدق التفاصيل ..كلماتها المكتوبة ..صمتها الطويل عبر الأنترنيت ..عدم موافقتها في أن ترسل له صورتها ...هربها الخجول من كلماته العاشقة التي يبثها لها بين الحين ...كل هذا بدأ ينسل الى ذاكرته ..في لحظة أحس بها أن طيفاً لشبح أبيض خلف زجاج نافذة الطائرة يلوح له من بعيد ..وأحس أن نسمة هادئة تمر على وجهه المتعب لتبعث بجسده رعشة لذيذة وكأنها تمسد على عينيه كي ينام ..بقيت عينه شاخصة نحو النافذة ..واختفى الشبح الأبيض ..تاركاً وراءه عتمة لا حدود لها ..بينما راحت عيناه تغمضان بخدر ...وارتخت يداه ...الخاتم تدحرج على أرض الطائرة ..ليترك وراءه عاشقاً ..وحلماً ..وقصة ...وذكرى
الكاتب راسم المرواني