عراقية كوول
2009-10-17, 03:46 AM
بداية وتوطئة:
سنبدأ حديثنا في هذا الفصل عن تاريخ ميلاد الزهراء (ع) لأن البعض يحاول أن يتحاشى، بل يأبى الالزام أو الالتزام بما ورد عن النبي الكريم (ص)، وعن الأئمة الطاهرين عليهم السلام، من أنها (ع) قد ولدت من ثمر الجنة بعد الإسراء والمعراج، أو يحاول تحاشي الالتزام بأنها عليها السلام قد تزوجت من علي (ع) في سن مبكر، لأنه يشعر بدرجة من الاحراج على مستوى الاقناع، يؤثر أن لا يعرض نفسه له.. وقد لا يكون هذا ولا ذاك، بل ربما أمر آخر، هو الذي يدعوه إلى اتخاذ هذا الموقف والله هو العالم بحقائق الأمور، والمطلع على ما في الصدور. ثم نتحدث بعد ذلك، عن أمور لها ارتباط قريب بشأن عصمة الأنبياء، والأوصياء، والأولياء عليهم السلام لا سيما عصمة الصديقة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها. وسيكون حديثنا هذا عن العصمة مدخلا مقبولا وتمهيدا لعرض بعض الحديث عن منازل الكرامة، ودرجات القرب والزلفى لسيدة نساء العالمين عليها الصلاة والسلام، في ظل الرعاية الربانية، والتربية الإلهية، دون أن نهمل الإشارة إلى موضوع ارتباطها بالغيب، الذي تمثل بما حباها الله سبحانه وتعالى به من صفات وخصوصيات
ص 36
وكرامات ميزتها عن سائر نساء العالمين. فكانت المرأة التي تحتفل السما ء قبل الأرض بزواجها من علي عليه الصلاة والسلام، وكانت أيضا المرأة الطاهرة المطهرة عن كل رجس ودنس ونقص، حتى لقد نزهها الله عما يعتري النساء عادة من حالات خاصة بهن دون أن يكون لذلك أي تأثير سلبي على شخصيتها فيما يرتبط بشأن الحمل، والولادة. ثم إننا: قبل أن نخرج من دائرة كراماتها الجلي، وميزاتها وصفاتها الفضلى، كانت لنا إلمامة سريعة بما حباها الله به من علم متصل بالغيب، أتحفها الله به بواسطة ملك كريم كان يحدثها ويسليها بعد وفاة أبيها، الأمر الذي أنتج كتابا هاما جدا، كان الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام يهتمون، به ويعتزون به، وكانوا يقرأون فيه، وينقلون عنه وهو ما عرف ب مصحف فاطمة عليها السلام، بالإضافة إلى كتب أخرى اختصت بها صلوات الله وسلامه عليها. إننا سنقرأ لمحات عن ذلك كله في هذا الفصل، مع توخي سلامة الاختيار ومراعاة الاختصار قدر الإمكان.. وبالله التوفيق، ومنه الهدى والرشاد. متى ولدت الزهراء عليها السلام؟ إن أول ما يطالعنا في حياة الصديقة الطاهرة هو تاريخ ولادتها عليها السلام. حيث يدعي البعض أنها عليها السلام قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات؟!
ص 37
ونقول: إن ذلك غير صحيح. والصحيح هو ما عليه شيعة أهل البيت (ع)، تبعا لأئمتهم (ع) (1) - وأهل البيت أدرى بما فيه - وقد تابعهم عليه جماعة آخرون، وهو: أنها عليها السلام قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، أي في سنة الهجرة إلى الحبشة، وقد توفيت وعمرها ثمانية عشر عاما. وقد روي ذلك عن أئمتنا (ع) بسند صحيح (2). مضافا إلى هذا. فمن الممكن الاستدلال على ذلك أو تأييده بما يلي: 1 - ما ذكره عدد من المؤرخين من أن جميع أولاد خديجة رحمها الله قد ولدوا بعد البعثة (3)، وفاطمة (ع) كانت أصغرهم. 2 - الروايات الكثيرة المروية عن عدد من الصحابة، مثل: عائشة وعمر بن الخطاب وسعد بن مالك وابن عباس وغيرهم، التي تدل على أن نطفتها عليها السلام قد انعقدت من ثمر الجنة، الذي
(هامش)
(1) راجع ضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 2 مخطوط وجامع الأصول لابن الأثير: ج 12 ص 9 و10. (2) البحار: ج 43 ص 101 عن الكافي بسند صحيح، وعن المصباح الكبير، ودلائل الإمامة ومصابح الكفعمي، والروضة، ومناقب ابن شهر آشوب، وكشف الغمة: ج 2 ص 75 وإثبات الوصية وراجع: ذخائر العقبى: ص 52 وراجع أيضا: تاريخ الخميس ج 1 ص 278 عن كتاب تاريخ مواليد أهل البيت للإمام أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع، وراجع: مروج الذهب ج 2 ص 289 وغير ذلك. (3) راجع: البدء والتاريخ: ج 5 ص 16 والمواهب اللدنية: ج 1 ص 196 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 272. (*)
ص 38
تناوله النبي (ص) حين الإسراء والمعراج (1)، الذي أثبتنا أنه قد حصل في أوائل البعثة (2). وإذا كان في الناس من يناقش في أسانيد بعض هذه الروايات
(هامش)
(1) تجد هذه الروايات في كتب الشيعة، مثل البحار: ج 43 ص 4 و5 و6 عن أمالي الصدوق، وعيون أخبار الرضا، ومعاني الأخبار، وعلل الشرائع، وتفسير القمي، والاحتجاج. وغير ذلك، وراجع: الأنوار النعمانية: ج 1 ص 80. وأي كتاب حديثي أو تاريخي تحدث عن تاريخ الزهراء (عليها السلام). وتجدها في كتب غيرهم، مثل: المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 156 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) نفس الجزء والصفحة، ونزل الأبرار: ص 88 والدر المنثور: ج 4 ص 153 وتاريخ بغداد: ج 5 ص 87 ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 357 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 277 وذخائر العقبى: ص 36 ولسان الميزان: ج 1 ص 134 واللآلئ المصنوعة: ج 1 ص 392 والدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة: ص 31. ونقله في إحقاق الحق (قسم الملحقات): ج 10 ص 1 - 10 عن بعض من تقدم وعن ميزان الاعتدال، والروض الفائق، ونزهة المجالس، ومجمع الزوائد، وكنز العمال، ومنتخب كنز العمال، ومحاضرة الأوائل، ومقتل الحسين للخوارزمي، ومفتاح النجاة، والمناقب لعبد الله الشافعي، وإعراب ثلاثين سورة، وأخبار الدول. وقد تحدث في كتاب ضياء العالمين: ج 4 ص 4 و5 مخطوط عن هذا الأمر، وذكر طائفة كبيرة من المصادر الأخرى. وثمة مصادر أخرى ذكرناها حين الحديث حول الإسراء والمعراج في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، فراجع. (2) راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج 3 مبحث الإسراء والمعراج. (*)
ص 39
على طريقته الخاصة، فإن البعض الآخر منها لا مجال للنقاش فيه، حتى بناء على هذه الطريقة أيضا. وأما ما يزعم من أن هذه الرواية لا تصح، لأن الزهراء قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فهو مصادرة على المطلوب، إذ أن هذه الروايات التي نحن بصدد الحديث عنها - وقد رويت بطرق مختلفة - أقوى شاهد على عدم صحة ذلك الزعم. 3 - قد روى النسائي: أنه لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة (ع) ردهما النبي (ص) متعللا بصغر سنها (1). فلو صح قولهم: إنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فإن عمرها حينما خطباها بعد الهجرة - كما هو مجمع عليه عند المؤرخين - يكون حوالي ثمانية عشر أو تسعة عشر سنة، فلا يقال لمن هي في مثل هذا السن: إنها صغيرة. 4 - قد روي: أن نساء قريش هجرن خديجة رحمها الله، فلما حملت بفاطمة كانت تحدثها من بطنها وتصبرها (2). وقد يستبعد البعض حمل خديجة بفاطمة (ع) بعد البعثة بخمس سنوات، لأن عمر خديجة (رض) حينئذ كان لا يسمح بذلك. ولكنه استبعاد في غير محله، إذ قد حققنا في كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عمرها كان
(هامش)
(1) راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 228 بتحقيق المحمودي، والمناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 393 (ط دار الأضواء) وتذكرة الخواص: ص 306 و307، وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 46 مخطوط . (2) البحار: ج 43 ص 2. (*)
ص 40
حينئذ حوالي خمسين سنة، بل أقل من ذلك أيضا، على ما هو الأقوى، وإن اشتهر خلاف ذلك. واحتمال أن يكون ذلك - أي ولادتها بعد سن اليأس - قد جاء على سبيل الكرامة لخديجة والرسول الله (ص) على غرار قوله تعالى: أألد وأنا عجوز . غير وارد هنا، إذ لو كان الأمر كذلك لكان قد شاع وذاع، مع أننا لا نجد أية إشارة تدل على ذلك. 5 - ويدل على ذلك أيضا الأحاديث الكثيرة التي ذكرت سبب تسميتها بفاطمة، وبغير ذلك من أسماء، حيث تشير وتدل على أن هذه التسمية قد جاءت من السماء بأمر من الله عز وجل. وهي روايات كثيرة موجودة في مختلف المصادر، فلتراجع ثمة (1).
(هامش)
(1) راجع: ينابيع المودة وكنز العمال: ج 6 ص 219 والمناقب لابن المغازلي: ص 221 و229 وراجع كتاب ضياء العالمين مخطوط : ج 4 ص 6 / 9 ففيه بسط وتتبع، والبحار: ج 43 ص 13 وفي هامشه عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 وراجع: ذخائر العقبى: ص 26 وميزان الاعتدال: ج 2 ص 400 وج 3 ص 439 ولسان الميزان: ج 3 ص 267 وطوالع الأنوار: ص 112 / 113 ط سنة 1395 ه تبريز ايران، ومعرفة ما يجب لآل البيت النبوي، لأحمد بن علي المقريزي: ص 51 ط دار الإعتصام بيروت سنة 1392، والبتول الطاهرة لأحمد فهمي: ص 11 / 15. (*)
ص 41
مريم أفضل أم فاطمة عليهما السلام؟ قد يجب البعض عن سؤال: أيهما أفضل مريم بنت عمران (ع) أم فاطمة بنت محمد (ص) بقوله: هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله، وإنما هو مجرد ترف فكري أحيانا، أو سخافة ورجعية وتخلف أحيانا أخرى. ثم يقول: وإذا كان لا خلاف بين مريم وفاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن في ذلك؟ فلفاطمة فضلها، ولمريم فضلها، ولا مشكلة في ذلك. أما نحن فنقول: أولا: لا شك في أن الزهراء عليها السلام هي أفضل نساء العالمين، من الأولين والآخرين، أما مريم فهي سيدة نساء عالمها. وقد روي ذلك عن رسول الله (ص) نفسه، فضلا عما روي عن الأئمة عليهم السلام (1). ويدل على أنها أفضل من مريم كونها سيدة نساء أهل الجنة،
(هامش)
(1) راجع: ذخائر العقبى: ص 43 وسير أعلام النبلاء: ج 2 ص 126 والجوهرة: ص 17 والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة): ج 4 ص 376 وتاريخ دمشق (ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي : ج 1 ص 247 - 248 والمجالس السنية: ج 5 ص 63 عن أمالي الصدوق والاستيعاب وشرح الأخبار: ج 3 ص 56 ومقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 79 ونظم درر السمطين: ص 178 و179 ومعاني الأخبار: ص 107 وعلل الشرائع: ج 1 ص 182، والبحار: ج 43 ص 37 وج 39 ص 278 وج 37 ص 68، ومناقب ابن شهر آشوب. (*)
ص 42
ومريم من هؤلاء النسوة (1). ويدل على أفضليتها أيضا، ما روي عن الصادق (ع): لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه (2). وهذا الخبر يدل على أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا. ثانيا: إن سؤالنا عن الأفضلية لا يعني أننا نختلف في ذلك، بل هو استفهام لطلب المزيد من المعرفة بمقامات أولياء الله تعالى التي ورد الحث على طلب المزيد منها، لأنه يوجب مزيدا من المعرفة بالله تعالى. ونحن لو اختلفنا في ذلك فليس هو خلاف الخصومة والعدوان، وإنما هو الخلاف في الرأي، الذي يأخذ بيدنا إلى تقصي الحقيقة وازدياد المعرفة، وتصحيح الخطأ والاشتباه لدى هذا الفريق أو ذلك. ثالثا: إن علينا أن ندرك - كل بحسب قدرته - إن كل ما جاء في كتاب الله تعالى، وكل ما قاله رسول الله (ص) وأوصياؤه عليهم السلام، وأبلغونا إياه، وكل ما ذكر في كتاب الله العزيز، لا بد أن نعرفه بأدق تفاصيله إن استطعنا إلى ذلك سبيلا، وهو علم له أهميته، وهو يضر من جهله، وينفع من علمه. ولا ينحصر ما ينفع علمه بما
(هامش)
(1) راجع الرسائل الاعتقادية: ص 459 عن صحيح البخاري: ج 5 ص 36 وعن الطرائف: ص 262 عن الجمع بين الصحاح الستة ومرآة الجنان: ج 1 ص 61 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 19 / 20 و21. (2) راجع الكافي: ج 1 ص 461 والبحار: ج 43 ص 10 و107 وضياء العالمين مخطوط : ج 2 ق 3 ص 11 عن عيون المعجزات: وص 48 عن كتاب الفردوس. (*)
ص 43
يرتبط بالأمور السياسية فقط، أو المالية، أو الاجتماعية، أو التنظيمية، والممارسة اليومية للعبادات أو ما إلى ذلك. وذلك لأن للانسان حركة في صراط التكامل ينجزها باختياره وجده، وبعمله الدائب، وهو ينطلق في حركته هذه من إيمانه، ويرتكز إلى درجة يقينه، وهذا الإيمان وذلك اليقين لهما رافد من المعرفة بأسرار الحياة، ودقائقها، وبملكوت الله سبحانه، وبأسرار الخليقة، ومن المعرفة بالله سبحانه، وبصفاته وأنبيائه وأوليائه الذين اصطفاهم، وما لهم من مقامات وكرامات، وما نالوه من درجات القرب والرضا، وما أعده الله لهم من منازل الكرامة، كمعرفتنا بأن الله سبحانه هو الذي سمى فاطمة (1)، وهو الذي زوجها في السماء قبل الأرض (2)، وبأنها كانت تحدث أمها وهي في بطنها (3)، وغير ذلك. وهذه المعرفة تزيد في صفاء الروح ورسوخ الإيمان، ومعرفة النفس الموصلة إلى معرفة الرب سبحانه. ومن الواضح: أن مقامات الأنبياء والأوصياء والأولياء، ودرجات فضلهم قد سمت وتفاوتت بدرجات تفاوت معرفتهم بذلك كله.
(هامش)
(1) البحار: ج 43 ص 13 ح 7 عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 ح 2. (2) ذخائر العقبى: ص 31 وراجع كشف الغمة: ج 2 ص 98 وكنوز الحقائق للمناوي بهامش الجامع الصغير: ج 2 ص 75 والبحار: ج 43 ص 141 و145. (3) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد للقزويني: ص 39 والبحار: ج 43 ص 2 ونزهة المجالس: ج 2 ص 227 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 27. 38 مخطوط . (*)
ص 44
غير أن بعض المعارف قد تحتاج إلى مقدمات تسهل علينا استيعابها، وتؤهلنا للاستفادة منها بالنحو المناسب، فتمس الحاجة إلى التدرج في طي مراحل في هذا السبيل، تماما كطالب الصف الأول، فإنه لا يستطيع عادة أن يستوعب - بالمستوى المطلوب - المادة التي تلقى على طلاب الصف الذي هو في مرحلة أعلى كالطالب الجامعي مثلا، بل لا بد له من طي مراحل تعده لفهم واستيعاب ذلك كله تمهيدا للانتفاع به. وكلما قرب الإنسان من الله، زادت حاجته إلى معارف جديدة تتناسب مع موقعه القربى الجديد، واحتاج إلى المزيد من الصفاء، والطهر، وإلى صياغة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، بل كل واقعه وفقا لهذه المستجدات. وهذا شأن له أصالته وواقعيته ولا يتناسب مع مقولة: هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله. وإذا كان الإمام الصادق عليه السلام لم يترفع عن الخوض في أمر كهذا، حين سئل عن هذا الموضوع فأجاب. فهل يصح منا نحن أن نترفع عن أمر تصدى للإجابة عنه الإمام (ع) دونما اضطرار، وهو الأسوة والقدوة؟!. إذن.. نحن بحاجة لمعرفة ما لفاطمة (ع) من مقام علي وكرامة عند الله، ومعرفة ما لها من فضل على باقي الخلائق، وبحاجة إلى معرفة أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأنها أفضل من مريم (ع)، ومن كل من سواها، حتى لو كانت مريم (ع) سيدة نساء عالمها.
ص 45
إننا بحاجة إلى ذلك، لأنه يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها السلام، ويدخل فاطمة إلى قلوبنا، ويمزجها بالروح وبالمشاعر وبالأحاسيس، ليزداد تفاعلنا مع ما تقول وما تفعل، ونحس بما تحس، ونشعر بما تشعر، ونحب من وما تحب، ونبغض من وما تبغض، ويؤلمنا ما يؤلمها ويفرحنا ما يفرحها، فيزيدنا ذلك خلوصا وطهرا وصفاء ونقاء، ومن ثم هو يزيد في معرفتنا بحقيقة ظالميها والمعتدين عليها، ويعرفنا حجم ما ارتكب في حقها، ومدى سوء ذلك وقبحه. قيمة الزهراء عليها السلام: قد يتساءل بعض الناس، ويقول: إن إشراك الزهراء (ع) في قضية المباهلة لا دلالة له على عظيم ما لها (ع) من قيمة وفضل، فإنه (ص) إنما جاء بأهل بيته (ع)، لأنهم أعز الخلق عليه، وأحبهم إليه، ليثبت أنه على استعداد للتضحية حتى بهؤلاء من أجل هذا الدين، ولا دلالة في هذا على شيء آخر. ونقول في الجواب: لقد أشرك الله سبحانه الزهراء في قضية لها مساس ببقاء هذا الدين، وحقانيته، وهي تلامس جوهر الإيمان فيه إلى قيام الساعة، وذلك لأن ما يراد إثباته بالمباهلة هو بشرية عيسى عليه السلام، ونفي ألوهيته. وقد خلد القرآن الكريم لها هذه المشاركة لكي يظهر أنها عليها السلام قد بلغت في كمالها وسؤددها وفضلها مبلغا عظيما، وبحيث جعلها الله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى النبي والوصي والسبطين، وثيقة على صدق النبي (ص) فيما يقول، حيث إن الله سبحانه هو
ص 46
الذي أمر نبيه (ص) بالمباهلة بهؤلاء، ولم يكن ذلك في أساسه من تلقاء نفسه (ص). إذن، لم يكن ذلك لأنهم عائلته، وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، بل لأن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، والنبي (ص) وعلي والحسنان عليهم السلام، كانوا - وهم كذلك - أعز ما في هذا الوجود، وأكرم المخلوقات على الله سبحانه، بحيث ظهر أنه تعالى يريد أن يفهم الناس جميعا أن التفريط بهؤلاء الصفوة الزاكية هو تفريط بكل شيء، ولا قيمة لأي شيء في هذا الوجود بدونهم، وهو ما أشير إليه في الحديث الشريف (1). ثم إن إخراج أكثر من رجل وحصر عنصر المرأة بالزهراء عليها السلام في هذه القضية إنما يشير إلى أن أيا من النساء لم تكن لتداني الزهراء في المقام والسؤدد والكرامة عند الله سبحانه وتعالى فلا مجال لادعاء أي صفة يمكن أن تجعل لغيرها عليها السلام امتيازا وفضلا على سائر النساء. فما يدعي لبعض نسائه (ص) - كعائشة - من مقام وفضل على نساء الأمة، لا يمكن أن يصح خصوصا مع ملاحظة ما صدر عنها بعد وفاة رسول الله (ص) من الخروج على الإمام أمير المؤمنين (ع)، والتصدي لحرب وصي رسول رب العالمين، مما تسبب بإزهاق عدد كبير جدا من الأرواح البريئة من أهل الإيمان والإسلام، فأطلع الشيطان قرنه من حيث أشار النبي (ص) وصدق الله العظيم
(هامش)
(1) راجع الكافي: ج 1 ص 179 و198 والغيبة للنعماني: ص 139 و138 وبصائر الدرجات: ص 488 و489 وراجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج 8 ص 359 عنهم. (*)
ص 47
سنبدأ حديثنا في هذا الفصل عن تاريخ ميلاد الزهراء (ع) لأن البعض يحاول أن يتحاشى، بل يأبى الالزام أو الالتزام بما ورد عن النبي الكريم (ص)، وعن الأئمة الطاهرين عليهم السلام، من أنها (ع) قد ولدت من ثمر الجنة بعد الإسراء والمعراج، أو يحاول تحاشي الالتزام بأنها عليها السلام قد تزوجت من علي (ع) في سن مبكر، لأنه يشعر بدرجة من الاحراج على مستوى الاقناع، يؤثر أن لا يعرض نفسه له.. وقد لا يكون هذا ولا ذاك، بل ربما أمر آخر، هو الذي يدعوه إلى اتخاذ هذا الموقف والله هو العالم بحقائق الأمور، والمطلع على ما في الصدور. ثم نتحدث بعد ذلك، عن أمور لها ارتباط قريب بشأن عصمة الأنبياء، والأوصياء، والأولياء عليهم السلام لا سيما عصمة الصديقة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها. وسيكون حديثنا هذا عن العصمة مدخلا مقبولا وتمهيدا لعرض بعض الحديث عن منازل الكرامة، ودرجات القرب والزلفى لسيدة نساء العالمين عليها الصلاة والسلام، في ظل الرعاية الربانية، والتربية الإلهية، دون أن نهمل الإشارة إلى موضوع ارتباطها بالغيب، الذي تمثل بما حباها الله سبحانه وتعالى به من صفات وخصوصيات
ص 36
وكرامات ميزتها عن سائر نساء العالمين. فكانت المرأة التي تحتفل السما ء قبل الأرض بزواجها من علي عليه الصلاة والسلام، وكانت أيضا المرأة الطاهرة المطهرة عن كل رجس ودنس ونقص، حتى لقد نزهها الله عما يعتري النساء عادة من حالات خاصة بهن دون أن يكون لذلك أي تأثير سلبي على شخصيتها فيما يرتبط بشأن الحمل، والولادة. ثم إننا: قبل أن نخرج من دائرة كراماتها الجلي، وميزاتها وصفاتها الفضلى، كانت لنا إلمامة سريعة بما حباها الله به من علم متصل بالغيب، أتحفها الله به بواسطة ملك كريم كان يحدثها ويسليها بعد وفاة أبيها، الأمر الذي أنتج كتابا هاما جدا، كان الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام يهتمون، به ويعتزون به، وكانوا يقرأون فيه، وينقلون عنه وهو ما عرف ب مصحف فاطمة عليها السلام، بالإضافة إلى كتب أخرى اختصت بها صلوات الله وسلامه عليها. إننا سنقرأ لمحات عن ذلك كله في هذا الفصل، مع توخي سلامة الاختيار ومراعاة الاختصار قدر الإمكان.. وبالله التوفيق، ومنه الهدى والرشاد. متى ولدت الزهراء عليها السلام؟ إن أول ما يطالعنا في حياة الصديقة الطاهرة هو تاريخ ولادتها عليها السلام. حيث يدعي البعض أنها عليها السلام قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات؟!
ص 37
ونقول: إن ذلك غير صحيح. والصحيح هو ما عليه شيعة أهل البيت (ع)، تبعا لأئمتهم (ع) (1) - وأهل البيت أدرى بما فيه - وقد تابعهم عليه جماعة آخرون، وهو: أنها عليها السلام قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، أي في سنة الهجرة إلى الحبشة، وقد توفيت وعمرها ثمانية عشر عاما. وقد روي ذلك عن أئمتنا (ع) بسند صحيح (2). مضافا إلى هذا. فمن الممكن الاستدلال على ذلك أو تأييده بما يلي: 1 - ما ذكره عدد من المؤرخين من أن جميع أولاد خديجة رحمها الله قد ولدوا بعد البعثة (3)، وفاطمة (ع) كانت أصغرهم. 2 - الروايات الكثيرة المروية عن عدد من الصحابة، مثل: عائشة وعمر بن الخطاب وسعد بن مالك وابن عباس وغيرهم، التي تدل على أن نطفتها عليها السلام قد انعقدت من ثمر الجنة، الذي
(هامش)
(1) راجع ضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 2 مخطوط وجامع الأصول لابن الأثير: ج 12 ص 9 و10. (2) البحار: ج 43 ص 101 عن الكافي بسند صحيح، وعن المصباح الكبير، ودلائل الإمامة ومصابح الكفعمي، والروضة، ومناقب ابن شهر آشوب، وكشف الغمة: ج 2 ص 75 وإثبات الوصية وراجع: ذخائر العقبى: ص 52 وراجع أيضا: تاريخ الخميس ج 1 ص 278 عن كتاب تاريخ مواليد أهل البيت للإمام أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع، وراجع: مروج الذهب ج 2 ص 289 وغير ذلك. (3) راجع: البدء والتاريخ: ج 5 ص 16 والمواهب اللدنية: ج 1 ص 196 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 272. (*)
ص 38
تناوله النبي (ص) حين الإسراء والمعراج (1)، الذي أثبتنا أنه قد حصل في أوائل البعثة (2). وإذا كان في الناس من يناقش في أسانيد بعض هذه الروايات
(هامش)
(1) تجد هذه الروايات في كتب الشيعة، مثل البحار: ج 43 ص 4 و5 و6 عن أمالي الصدوق، وعيون أخبار الرضا، ومعاني الأخبار، وعلل الشرائع، وتفسير القمي، والاحتجاج. وغير ذلك، وراجع: الأنوار النعمانية: ج 1 ص 80. وأي كتاب حديثي أو تاريخي تحدث عن تاريخ الزهراء (عليها السلام). وتجدها في كتب غيرهم، مثل: المستدرك على الصحيحين: ج 3 ص 156 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) نفس الجزء والصفحة، ونزل الأبرار: ص 88 والدر المنثور: ج 4 ص 153 وتاريخ بغداد: ج 5 ص 87 ومناقب الإمام علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 357 وتاريخ الخميس: ج 1 ص 277 وذخائر العقبى: ص 36 ولسان الميزان: ج 1 ص 134 واللآلئ المصنوعة: ج 1 ص 392 والدرة اليتيمة في بعض فضائل السيدة العظيمة: ص 31. ونقله في إحقاق الحق (قسم الملحقات): ج 10 ص 1 - 10 عن بعض من تقدم وعن ميزان الاعتدال، والروض الفائق، ونزهة المجالس، ومجمع الزوائد، وكنز العمال، ومنتخب كنز العمال، ومحاضرة الأوائل، ومقتل الحسين للخوارزمي، ومفتاح النجاة، والمناقب لعبد الله الشافعي، وإعراب ثلاثين سورة، وأخبار الدول. وقد تحدث في كتاب ضياء العالمين: ج 4 ص 4 و5 مخطوط عن هذا الأمر، وذكر طائفة كبيرة من المصادر الأخرى. وثمة مصادر أخرى ذكرناها حين الحديث حول الإسراء والمعراج في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص)، فراجع. (2) راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج 3 مبحث الإسراء والمعراج. (*)
ص 39
على طريقته الخاصة، فإن البعض الآخر منها لا مجال للنقاش فيه، حتى بناء على هذه الطريقة أيضا. وأما ما يزعم من أن هذه الرواية لا تصح، لأن الزهراء قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فهو مصادرة على المطلوب، إذ أن هذه الروايات التي نحن بصدد الحديث عنها - وقد رويت بطرق مختلفة - أقوى شاهد على عدم صحة ذلك الزعم. 3 - قد روى النسائي: أنه لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة (ع) ردهما النبي (ص) متعللا بصغر سنها (1). فلو صح قولهم: إنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، فإن عمرها حينما خطباها بعد الهجرة - كما هو مجمع عليه عند المؤرخين - يكون حوالي ثمانية عشر أو تسعة عشر سنة، فلا يقال لمن هي في مثل هذا السن: إنها صغيرة. 4 - قد روي: أن نساء قريش هجرن خديجة رحمها الله، فلما حملت بفاطمة كانت تحدثها من بطنها وتصبرها (2). وقد يستبعد البعض حمل خديجة بفاطمة (ع) بعد البعثة بخمس سنوات، لأن عمر خديجة (رض) حينئذ كان لا يسمح بذلك. ولكنه استبعاد في غير محله، إذ قد حققنا في كتاب الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عمرها كان
(هامش)
(1) راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ص 228 بتحقيق المحمودي، والمناقب لابن شهرآشوب: ج 3 ص 393 (ط دار الأضواء) وتذكرة الخواص: ص 306 و307، وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 46 مخطوط . (2) البحار: ج 43 ص 2. (*)
ص 40
حينئذ حوالي خمسين سنة، بل أقل من ذلك أيضا، على ما هو الأقوى، وإن اشتهر خلاف ذلك. واحتمال أن يكون ذلك - أي ولادتها بعد سن اليأس - قد جاء على سبيل الكرامة لخديجة والرسول الله (ص) على غرار قوله تعالى: أألد وأنا عجوز . غير وارد هنا، إذ لو كان الأمر كذلك لكان قد شاع وذاع، مع أننا لا نجد أية إشارة تدل على ذلك. 5 - ويدل على ذلك أيضا الأحاديث الكثيرة التي ذكرت سبب تسميتها بفاطمة، وبغير ذلك من أسماء، حيث تشير وتدل على أن هذه التسمية قد جاءت من السماء بأمر من الله عز وجل. وهي روايات كثيرة موجودة في مختلف المصادر، فلتراجع ثمة (1).
(هامش)
(1) راجع: ينابيع المودة وكنز العمال: ج 6 ص 219 والمناقب لابن المغازلي: ص 221 و229 وراجع كتاب ضياء العالمين مخطوط : ج 4 ص 6 / 9 ففيه بسط وتتبع، والبحار: ج 43 ص 13 وفي هامشه عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 وراجع: ذخائر العقبى: ص 26 وميزان الاعتدال: ج 2 ص 400 وج 3 ص 439 ولسان الميزان: ج 3 ص 267 وطوالع الأنوار: ص 112 / 113 ط سنة 1395 ه تبريز ايران، ومعرفة ما يجب لآل البيت النبوي، لأحمد بن علي المقريزي: ص 51 ط دار الإعتصام بيروت سنة 1392، والبتول الطاهرة لأحمد فهمي: ص 11 / 15. (*)
ص 41
مريم أفضل أم فاطمة عليهما السلام؟ قد يجب البعض عن سؤال: أيهما أفضل مريم بنت عمران (ع) أم فاطمة بنت محمد (ص) بقوله: هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله، وإنما هو مجرد ترف فكري أحيانا، أو سخافة ورجعية وتخلف أحيانا أخرى. ثم يقول: وإذا كان لا خلاف بين مريم وفاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن في ذلك؟ فلفاطمة فضلها، ولمريم فضلها، ولا مشكلة في ذلك. أما نحن فنقول: أولا: لا شك في أن الزهراء عليها السلام هي أفضل نساء العالمين، من الأولين والآخرين، أما مريم فهي سيدة نساء عالمها. وقد روي ذلك عن رسول الله (ص) نفسه، فضلا عما روي عن الأئمة عليهم السلام (1). ويدل على أنها أفضل من مريم كونها سيدة نساء أهل الجنة،
(هامش)
(1) راجع: ذخائر العقبى: ص 43 وسير أعلام النبلاء: ج 2 ص 126 والجوهرة: ص 17 والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة): ج 4 ص 376 وتاريخ دمشق (ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي : ج 1 ص 247 - 248 والمجالس السنية: ج 5 ص 63 عن أمالي الصدوق والاستيعاب وشرح الأخبار: ج 3 ص 56 ومقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 79 ونظم درر السمطين: ص 178 و179 ومعاني الأخبار: ص 107 وعلل الشرائع: ج 1 ص 182، والبحار: ج 43 ص 37 وج 39 ص 278 وج 37 ص 68، ومناقب ابن شهر آشوب. (*)
ص 42
ومريم من هؤلاء النسوة (1). ويدل على أفضليتها أيضا، ما روي عن الصادق (ع): لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمير المؤمنين لفاطمة ما كان لها كفؤ على ظهر الأرض من آدم ومن دونه (2). وهذا الخبر يدل على أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضا. ثانيا: إن سؤالنا عن الأفضلية لا يعني أننا نختلف في ذلك، بل هو استفهام لطلب المزيد من المعرفة بمقامات أولياء الله تعالى التي ورد الحث على طلب المزيد منها، لأنه يوجب مزيدا من المعرفة بالله تعالى. ونحن لو اختلفنا في ذلك فليس هو خلاف الخصومة والعدوان، وإنما هو الخلاف في الرأي، الذي يأخذ بيدنا إلى تقصي الحقيقة وازدياد المعرفة، وتصحيح الخطأ والاشتباه لدى هذا الفريق أو ذلك. ثالثا: إن علينا أن ندرك - كل بحسب قدرته - إن كل ما جاء في كتاب الله تعالى، وكل ما قاله رسول الله (ص) وأوصياؤه عليهم السلام، وأبلغونا إياه، وكل ما ذكر في كتاب الله العزيز، لا بد أن نعرفه بأدق تفاصيله إن استطعنا إلى ذلك سبيلا، وهو علم له أهميته، وهو يضر من جهله، وينفع من علمه. ولا ينحصر ما ينفع علمه بما
(هامش)
(1) راجع الرسائل الاعتقادية: ص 459 عن صحيح البخاري: ج 5 ص 36 وعن الطرائف: ص 262 عن الجمع بين الصحاح الستة ومرآة الجنان: ج 1 ص 61 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 19 / 20 و21. (2) راجع الكافي: ج 1 ص 461 والبحار: ج 43 ص 10 و107 وضياء العالمين مخطوط : ج 2 ق 3 ص 11 عن عيون المعجزات: وص 48 عن كتاب الفردوس. (*)
ص 43
يرتبط بالأمور السياسية فقط، أو المالية، أو الاجتماعية، أو التنظيمية، والممارسة اليومية للعبادات أو ما إلى ذلك. وذلك لأن للانسان حركة في صراط التكامل ينجزها باختياره وجده، وبعمله الدائب، وهو ينطلق في حركته هذه من إيمانه، ويرتكز إلى درجة يقينه، وهذا الإيمان وذلك اليقين لهما رافد من المعرفة بأسرار الحياة، ودقائقها، وبملكوت الله سبحانه، وبأسرار الخليقة، ومن المعرفة بالله سبحانه، وبصفاته وأنبيائه وأوليائه الذين اصطفاهم، وما لهم من مقامات وكرامات، وما نالوه من درجات القرب والرضا، وما أعده الله لهم من منازل الكرامة، كمعرفتنا بأن الله سبحانه هو الذي سمى فاطمة (1)، وهو الذي زوجها في السماء قبل الأرض (2)، وبأنها كانت تحدث أمها وهي في بطنها (3)، وغير ذلك. وهذه المعرفة تزيد في صفاء الروح ورسوخ الإيمان، ومعرفة النفس الموصلة إلى معرفة الرب سبحانه. ومن الواضح: أن مقامات الأنبياء والأوصياء والأولياء، ودرجات فضلهم قد سمت وتفاوتت بدرجات تفاوت معرفتهم بذلك كله.
(هامش)
(1) البحار: ج 43 ص 13 ح 7 عن علل الشرائع: ج 1 ص 178 ح 2. (2) ذخائر العقبى: ص 31 وراجع كشف الغمة: ج 2 ص 98 وكنوز الحقائق للمناوي بهامش الجامع الصغير: ج 2 ص 75 والبحار: ج 43 ص 141 و145. (3) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد للقزويني: ص 39 والبحار: ج 43 ص 2 ونزهة المجالس: ج 2 ص 227 وضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 27. 38 مخطوط . (*)
ص 44
غير أن بعض المعارف قد تحتاج إلى مقدمات تسهل علينا استيعابها، وتؤهلنا للاستفادة منها بالنحو المناسب، فتمس الحاجة إلى التدرج في طي مراحل في هذا السبيل، تماما كطالب الصف الأول، فإنه لا يستطيع عادة أن يستوعب - بالمستوى المطلوب - المادة التي تلقى على طلاب الصف الذي هو في مرحلة أعلى كالطالب الجامعي مثلا، بل لا بد له من طي مراحل تعده لفهم واستيعاب ذلك كله تمهيدا للانتفاع به. وكلما قرب الإنسان من الله، زادت حاجته إلى معارف جديدة تتناسب مع موقعه القربى الجديد، واحتاج إلى المزيد من الصفاء، والطهر، وإلى صياغة مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، بل كل واقعه وفقا لهذه المستجدات. وهذا شأن له أصالته وواقعيته ولا يتناسب مع مقولة: هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله. وإذا كان الإمام الصادق عليه السلام لم يترفع عن الخوض في أمر كهذا، حين سئل عن هذا الموضوع فأجاب. فهل يصح منا نحن أن نترفع عن أمر تصدى للإجابة عنه الإمام (ع) دونما اضطرار، وهو الأسوة والقدوة؟!. إذن.. نحن بحاجة لمعرفة ما لفاطمة (ع) من مقام علي وكرامة عند الله، ومعرفة ما لها من فضل على باقي الخلائق، وبحاجة إلى معرفة أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأنها أفضل من مريم (ع)، ومن كل من سواها، حتى لو كانت مريم (ع) سيدة نساء عالمها.
ص 45
إننا بحاجة إلى ذلك، لأنه يعمق ارتباطنا بفاطمة عليها السلام، ويدخل فاطمة إلى قلوبنا، ويمزجها بالروح وبالمشاعر وبالأحاسيس، ليزداد تفاعلنا مع ما تقول وما تفعل، ونحس بما تحس، ونشعر بما تشعر، ونحب من وما تحب، ونبغض من وما تبغض، ويؤلمنا ما يؤلمها ويفرحنا ما يفرحها، فيزيدنا ذلك خلوصا وطهرا وصفاء ونقاء، ومن ثم هو يزيد في معرفتنا بحقيقة ظالميها والمعتدين عليها، ويعرفنا حجم ما ارتكب في حقها، ومدى سوء ذلك وقبحه. قيمة الزهراء عليها السلام: قد يتساءل بعض الناس، ويقول: إن إشراك الزهراء (ع) في قضية المباهلة لا دلالة له على عظيم ما لها (ع) من قيمة وفضل، فإنه (ص) إنما جاء بأهل بيته (ع)، لأنهم أعز الخلق عليه، وأحبهم إليه، ليثبت أنه على استعداد للتضحية حتى بهؤلاء من أجل هذا الدين، ولا دلالة في هذا على شيء آخر. ونقول في الجواب: لقد أشرك الله سبحانه الزهراء في قضية لها مساس ببقاء هذا الدين، وحقانيته، وهي تلامس جوهر الإيمان فيه إلى قيام الساعة، وذلك لأن ما يراد إثباته بالمباهلة هو بشرية عيسى عليه السلام، ونفي ألوهيته. وقد خلد القرآن الكريم لها هذه المشاركة لكي يظهر أنها عليها السلام قد بلغت في كمالها وسؤددها وفضلها مبلغا عظيما، وبحيث جعلها الله سبحانه وتعالى بالإضافة إلى النبي والوصي والسبطين، وثيقة على صدق النبي (ص) فيما يقول، حيث إن الله سبحانه هو
ص 46
الذي أمر نبيه (ص) بالمباهلة بهؤلاء، ولم يكن ذلك في أساسه من تلقاء نفسه (ص). إذن، لم يكن ذلك لأنهم عائلته، وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، بل لأن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، والنبي (ص) وعلي والحسنان عليهم السلام، كانوا - وهم كذلك - أعز ما في هذا الوجود، وأكرم المخلوقات على الله سبحانه، بحيث ظهر أنه تعالى يريد أن يفهم الناس جميعا أن التفريط بهؤلاء الصفوة الزاكية هو تفريط بكل شيء، ولا قيمة لأي شيء في هذا الوجود بدونهم، وهو ما أشير إليه في الحديث الشريف (1). ثم إن إخراج أكثر من رجل وحصر عنصر المرأة بالزهراء عليها السلام في هذه القضية إنما يشير إلى أن أيا من النساء لم تكن لتداني الزهراء في المقام والسؤدد والكرامة عند الله سبحانه وتعالى فلا مجال لادعاء أي صفة يمكن أن تجعل لغيرها عليها السلام امتيازا وفضلا على سائر النساء. فما يدعي لبعض نسائه (ص) - كعائشة - من مقام وفضل على نساء الأمة، لا يمكن أن يصح خصوصا مع ملاحظة ما صدر عنها بعد وفاة رسول الله (ص) من الخروج على الإمام أمير المؤمنين (ع)، والتصدي لحرب وصي رسول رب العالمين، مما تسبب بإزهاق عدد كبير جدا من الأرواح البريئة من أهل الإيمان والإسلام، فأطلع الشيطان قرنه من حيث أشار النبي (ص) وصدق الله العظيم
(هامش)
(1) راجع الكافي: ج 1 ص 179 و198 والغيبة للنعماني: ص 139 و138 وبصائر الدرجات: ص 488 و489 وراجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص): ج 8 ص 359 عنهم. (*)
ص 47