بحر الرومانسيهـ
2008-11-14, 11:03 AM
منقول
فاجأنى ابن أخى بطلب غريب ، وهو الذهاب معه للجامعة باعتبارى ولى أمره ، نظرا لغياب والده المسافر للخارج ، حيث انه قد تسبب فى مضايقة الأستاذة فى الجامعة ، حيث انه فى الصف الأول من كلية الاداب قسم التاريخ ، فوجدتها فرصة للذهاب الى نفس المكان الذى تركته منذ أحد عشر عاما....ودلفنا الى الجامعة ، وحانت منى التفاتة حزينة الى نفس الركن الهادئ الذى شهد حبى الأول ، وكيف أصبح ذكرى حزينة ، بعد زواج من أحببت بطبيب قطف زهرة ملكا لغيره عنوة ، فترك صاحبها غاية فى الحزن ، ثم انتبهت على صوت ابن أخى وهو ينبهنى بأن أحذر فى كلامى مع هذه الأستاذة الجامعية العانس المعقدة ، والتى ترتدى الثياب السوداء دوما ، ولا تبتسم أبدا ! حتى سمح لنا بلقاءها ، وأنا مازلت أفكر فى انتقاء الكلمات المناسبة ؛ لتعفو عن ابن أخى المشاغب ، حتى تجمدت عند لقياها : أنتى...أنتى منال؟! خطيبة المرحوم...فدهشت لمعرفتى لها ، ثم أشارت لابن أخى الصبى بأن ينصرف ، ويعتبر أنها قد عفت عنه ، ثم طلبت من العامل المخصص لمكتبها بأن لايزعجها بأى زائر ، ثم طلبت منى انتظارها لحظات ، حتى تنهى مكالمة تليفونية ، وهنا انفجرت داخلى الذكريات الحزينة ، باعثة أدخنة من المرارة والحسرة والألم ...
تذكرت عندما كنت فى العشرين من عمرى ، وفى الصف الثانى من الجامعة ، أدرس فى قسم اللغة العربية ، حيث طلب منى صديقى الذى يدرس القانون فى كلية الحقوق المجاورة فى نفس جامعة القاهرة بأن أذاكر معه فى جو هادئ فى مكتب المحاماة الذى يملكه أبوه ، حيث ان أباه يحضر الى المكتب أربع ساعات فقط يوميا من السادسة الى العاشرة مساء ...وظللنا نذاكر سويا هناك ، حتى فوجئت ذات يوم خريفى منذر بأمطار رعدية شديدة ، بشاب ذى عيون خضراء منكسرة حزينة ، يسألنا ماذا نشرب ، فطلبنا الشاى ، وأما هو فلايتكلم كثيرا ، ولايبتسم أبدا ، وبعد أيام ، فوجئت به يسألنى عن بعض القواعد النحوية ، حيث فهم من كلامى بأن أدرس اللغة العربية ، فتعجبت لقوله وبادرته : بصراحة شكلك أكبر منى بأربع سنوات تقريبا ، ومع ذلك تسألنى عن منهج الثانوية؟ !...فأخبرنى بأنه يدرس الثانوية بصفوفها الثلاثة فى سنة واحدة ، بتشجيع من والد صديقى المحامى ، ومرت الأيام ، وأصبحنا أصدقاء ثلاثة ، وعرفت عنه ذكائه الشديد ، وعشقه للكفاح ، وظروفه الاقتصادية الصعبة ، حيث كان الأول على زملائه فى الاعدادية ، وتوفى أبوه يوم النتيجة ، فضاعت فرحته ، ويومها قالت له أمه : يادياب ياابنى أنت ولدى الوحيد ورجلى الان ، ومعاش أبيك لن يفى حاجاتنا نحن الخمسة ، أنا وأنت وشقيقاتك البنات الثلاثة ، ولذلك فلن تستطيع دخول الثانوى العام ، والوصول للجامعة ، ولذلك فلبقتصر طريقك على التعليم المتوسط التجارى السهل ، لتتوظف به مكان أبيك ، ولتعمل الان فى أى محل حتى تنهى تلك السنوات الثلاثة من الدراسة ....
وانتهت سنوات الدراسة القصيرة ، وتوظف مكان أبيه فى نفس المحكمة ، نعم وظيفة صغيرة تسمى محضر بحيث يبلغ الناس بموعد المحاكمات ، أو بالضرائب المستحقة ، وخلافه....ثم نجح بتفقوق ، والتحق بأمل حياته ، وهو كلية الحقوق ، وأصبح القضاة فى وظيفته بالمحكمة يشجعونه ، ويعدونه بالحاقه بسلك النيابة بعد التخرج ، ليصبح بعد سنوات قاضيا مثلهم ، وهو لايصدق عينه ، بأن أحلامه ستتحقق بعد أربع سنوات فقط من الجد ، وكم كان صعبا عليه أن يذهب لعمله فى المحكمة صباحا ، ثم يأتى للجامعة ظهرا ، وقد أصبحت فى السنة الثالثة ، ثم يذهب لبيته عصرا ليذاكر ، ثم يذهب لمكتب والد صديقى المحامى ، للخدمة به ، حتى مرت السنة الأولى من الجامعة ، وأصبح هو فى السنة الثانية ، وأصبحت أنا فى السنة الرابعة والاخيرة ، فاذا بفتاة تعجب به اسمها منال ويدق قلبه للحب لأول مرة ، نعم انه الحب الذى لايعترف بأى مشاغل ، ولايؤجل ظهوره لحين تحسن الظروف ، واستمرت العلاقة العاطفية قوية بينهما ، وكانت هى فى الصف الأول ، ولكن والدها يصر على تزويجها برجل ثرى ، فطلبت منه التقدم لخطبتها ، وكيف وأنه لايملك شيئا ، وفى رقبته أمه وثلاث شقيقات ، فأقنعته بأن نكتتب نحن زملائه كل بما يقدر عليه ، لشراء دبلة ذهبية لها ، ونشترى له هو دبلة فضية ، وقابلنا أباها نحن الأصدقاء الثلاثة ، فرفض فى البداية ، ولكننى أقنعته بأن هذا الفتى رجلا بمعنى الكلمة ، وانه سيصبح وكيلا للنيابة بعد سنتين ، ثم يرقى لقاضى ، فاقتنع أبوها بحجتى ، ومرت أيام قليلة من السعادة الاخيرة ، وكلما رأيت ابتسامته الحنون ، قال لى متأثرا : لاتنخدع بابتسامتى ياصديقى ، فسيأتى يوم تكتب فيه للناس عن مأساتى ؟ وأتعجب من منطقه ، حتى مرضت أخته الكبيرة بضيق فى شرايين القلب ، مما استلزم معه اجراء عملية جراحية سريعة ، لكنها ستتكلف بعض المئات من الجنيهات ، فوقف عاجزا لايدرى مايفعله ، حتى ذهب ذات صباح لممارسة عمله باخطار صاحب محل كبير باغلاق المحل نظرا لعدم تسديده الضرائب المستحقة ، فقال له صاحب المحل بأن يقول بأنه لم يره ، وسيكافئه على ذلك بمائتين من الجنيهات ، وانه سيعطيه مائة جنيه الان ، وبعد ساعتين عليه أن يمر عليه ، ليحصل على المائة الأخرى ، وظلت نفسه تصارعه ، وكيف يقبل الرشوة ؟ ، ولكنه يحتاج النقود الان لاجراء العملية لأخته ، فانتصر عليه الشيطان !!! وأسرع للمستشفى ، ليدفع مقدم الأتعاب ، وحضر بعد ساعتين لصاحب المحل ، الذى أعطاه المائة الأخرى ، وماان أمسك الورقة النقدية ، حتى فؤجئ برجال الشرطة يضعون فى يديه القيود الحديدية ، بناء على بلاغ صاحب المحل ، بأنه يتهم الموظف الحكومى بالرشوة ، مؤكدا أنه رجل شريف محب ومخلص لبلاده ، وسيدفع كل ماعليه من ضرائب عندما تتحسن ظروفه ، ودخل السجن !!! وتبخرت كل أحلامه البعيدة ، ففصلته المحكمة من وظيفته ، وفصلته الجامعة من الكلية ، وأما والد خطيبته فلقد رد اليه دبلته اليتمة ، وقال لابنته بأنه سيكون خريج سجون ، فلن يدخل المحكمة قاضيا بل سجينا مجرما....وكانت النهاية هى وفاة أخته ضحية الفقر ...ضحية الأغنياء البخلاء ...ضحية الأطباء الجشعين الذين انتزع الله الرحمة من قلوبهم ، فغدوا عبادا للمال وحده !! بل ضحية مجتمع رقد ضميره رقدته الأبدية فى سبات عميق لاأمل فى ايقاظه !! .....وذهبنا لتعزيته فى السجن ، فوجدناه جثة هامدة ....فلقد ودّع تلك الدنيا الظالمة ، وقطع شريان يده ، وكتب بدمه على حائط السجن اخر كلمة فى حياتى وهى : وداعا يا دنيا !! ...وان عشت ماعشت فماأرانى أبكى مثل ذلك اليوم الذى مرت فيه الجثتان : جثة صديقى ، وجثة شقيقته ، واه....اه...ثم اه...من مشهد تلك الأم الثكلى المكلومة ، رأيتها وهى تفترش الأرض ، وتضع التراب على رأسهها ، وتذكرت قولته وهو يبتسم ابتسامة صفراء عندما قال لى : لاتنخدع بابتسامتى ياصديقى ، فسيأتى يوم تكتب فيه للناس عن مأساتى...لككنى هربت من أحزانى وأخذتنى سنوات طويلة ، تناسيت فيها ألم الفراق ، لكننى أبدا لم أنساه...
تنبهت من غفوتى ، وقد أنهت حبيبته تلفونها ، وقالت لى : على فكرة انى أبدا لم ولن أنسى صديقك ، فأنا لم ولن أتزوج أبدا ، ولن أغير الملابس السوداء حزنا عليه ، ووضعت همى كله فى الدراسة ، بعد أن حولت نفسى الى كلية أخرى غير الحقوق .....ووجدتنى عاجزا عن الكلام معها ! .ودّعنتها بدموعى التى أبت أن تتوقف ، وخرجت من الجامعة ، فحانت منى التفاتة ليس الى مكان حبيبتى القديمة ، بل الى مكان لقاء صديقى بحبيبته....وتذكرت اخر ما خطته يداه على حائط السجن بدمه ودااااعا يا دنيا......
تمت بحمد الله - تعالى -
فاجأنى ابن أخى بطلب غريب ، وهو الذهاب معه للجامعة باعتبارى ولى أمره ، نظرا لغياب والده المسافر للخارج ، حيث انه قد تسبب فى مضايقة الأستاذة فى الجامعة ، حيث انه فى الصف الأول من كلية الاداب قسم التاريخ ، فوجدتها فرصة للذهاب الى نفس المكان الذى تركته منذ أحد عشر عاما....ودلفنا الى الجامعة ، وحانت منى التفاتة حزينة الى نفس الركن الهادئ الذى شهد حبى الأول ، وكيف أصبح ذكرى حزينة ، بعد زواج من أحببت بطبيب قطف زهرة ملكا لغيره عنوة ، فترك صاحبها غاية فى الحزن ، ثم انتبهت على صوت ابن أخى وهو ينبهنى بأن أحذر فى كلامى مع هذه الأستاذة الجامعية العانس المعقدة ، والتى ترتدى الثياب السوداء دوما ، ولا تبتسم أبدا ! حتى سمح لنا بلقاءها ، وأنا مازلت أفكر فى انتقاء الكلمات المناسبة ؛ لتعفو عن ابن أخى المشاغب ، حتى تجمدت عند لقياها : أنتى...أنتى منال؟! خطيبة المرحوم...فدهشت لمعرفتى لها ، ثم أشارت لابن أخى الصبى بأن ينصرف ، ويعتبر أنها قد عفت عنه ، ثم طلبت من العامل المخصص لمكتبها بأن لايزعجها بأى زائر ، ثم طلبت منى انتظارها لحظات ، حتى تنهى مكالمة تليفونية ، وهنا انفجرت داخلى الذكريات الحزينة ، باعثة أدخنة من المرارة والحسرة والألم ...
تذكرت عندما كنت فى العشرين من عمرى ، وفى الصف الثانى من الجامعة ، أدرس فى قسم اللغة العربية ، حيث طلب منى صديقى الذى يدرس القانون فى كلية الحقوق المجاورة فى نفس جامعة القاهرة بأن أذاكر معه فى جو هادئ فى مكتب المحاماة الذى يملكه أبوه ، حيث ان أباه يحضر الى المكتب أربع ساعات فقط يوميا من السادسة الى العاشرة مساء ...وظللنا نذاكر سويا هناك ، حتى فوجئت ذات يوم خريفى منذر بأمطار رعدية شديدة ، بشاب ذى عيون خضراء منكسرة حزينة ، يسألنا ماذا نشرب ، فطلبنا الشاى ، وأما هو فلايتكلم كثيرا ، ولايبتسم أبدا ، وبعد أيام ، فوجئت به يسألنى عن بعض القواعد النحوية ، حيث فهم من كلامى بأن أدرس اللغة العربية ، فتعجبت لقوله وبادرته : بصراحة شكلك أكبر منى بأربع سنوات تقريبا ، ومع ذلك تسألنى عن منهج الثانوية؟ !...فأخبرنى بأنه يدرس الثانوية بصفوفها الثلاثة فى سنة واحدة ، بتشجيع من والد صديقى المحامى ، ومرت الأيام ، وأصبحنا أصدقاء ثلاثة ، وعرفت عنه ذكائه الشديد ، وعشقه للكفاح ، وظروفه الاقتصادية الصعبة ، حيث كان الأول على زملائه فى الاعدادية ، وتوفى أبوه يوم النتيجة ، فضاعت فرحته ، ويومها قالت له أمه : يادياب ياابنى أنت ولدى الوحيد ورجلى الان ، ومعاش أبيك لن يفى حاجاتنا نحن الخمسة ، أنا وأنت وشقيقاتك البنات الثلاثة ، ولذلك فلن تستطيع دخول الثانوى العام ، والوصول للجامعة ، ولذلك فلبقتصر طريقك على التعليم المتوسط التجارى السهل ، لتتوظف به مكان أبيك ، ولتعمل الان فى أى محل حتى تنهى تلك السنوات الثلاثة من الدراسة ....
وانتهت سنوات الدراسة القصيرة ، وتوظف مكان أبيه فى نفس المحكمة ، نعم وظيفة صغيرة تسمى محضر بحيث يبلغ الناس بموعد المحاكمات ، أو بالضرائب المستحقة ، وخلافه....ثم نجح بتفقوق ، والتحق بأمل حياته ، وهو كلية الحقوق ، وأصبح القضاة فى وظيفته بالمحكمة يشجعونه ، ويعدونه بالحاقه بسلك النيابة بعد التخرج ، ليصبح بعد سنوات قاضيا مثلهم ، وهو لايصدق عينه ، بأن أحلامه ستتحقق بعد أربع سنوات فقط من الجد ، وكم كان صعبا عليه أن يذهب لعمله فى المحكمة صباحا ، ثم يأتى للجامعة ظهرا ، وقد أصبحت فى السنة الثالثة ، ثم يذهب لبيته عصرا ليذاكر ، ثم يذهب لمكتب والد صديقى المحامى ، للخدمة به ، حتى مرت السنة الأولى من الجامعة ، وأصبح هو فى السنة الثانية ، وأصبحت أنا فى السنة الرابعة والاخيرة ، فاذا بفتاة تعجب به اسمها منال ويدق قلبه للحب لأول مرة ، نعم انه الحب الذى لايعترف بأى مشاغل ، ولايؤجل ظهوره لحين تحسن الظروف ، واستمرت العلاقة العاطفية قوية بينهما ، وكانت هى فى الصف الأول ، ولكن والدها يصر على تزويجها برجل ثرى ، فطلبت منه التقدم لخطبتها ، وكيف وأنه لايملك شيئا ، وفى رقبته أمه وثلاث شقيقات ، فأقنعته بأن نكتتب نحن زملائه كل بما يقدر عليه ، لشراء دبلة ذهبية لها ، ونشترى له هو دبلة فضية ، وقابلنا أباها نحن الأصدقاء الثلاثة ، فرفض فى البداية ، ولكننى أقنعته بأن هذا الفتى رجلا بمعنى الكلمة ، وانه سيصبح وكيلا للنيابة بعد سنتين ، ثم يرقى لقاضى ، فاقتنع أبوها بحجتى ، ومرت أيام قليلة من السعادة الاخيرة ، وكلما رأيت ابتسامته الحنون ، قال لى متأثرا : لاتنخدع بابتسامتى ياصديقى ، فسيأتى يوم تكتب فيه للناس عن مأساتى ؟ وأتعجب من منطقه ، حتى مرضت أخته الكبيرة بضيق فى شرايين القلب ، مما استلزم معه اجراء عملية جراحية سريعة ، لكنها ستتكلف بعض المئات من الجنيهات ، فوقف عاجزا لايدرى مايفعله ، حتى ذهب ذات صباح لممارسة عمله باخطار صاحب محل كبير باغلاق المحل نظرا لعدم تسديده الضرائب المستحقة ، فقال له صاحب المحل بأن يقول بأنه لم يره ، وسيكافئه على ذلك بمائتين من الجنيهات ، وانه سيعطيه مائة جنيه الان ، وبعد ساعتين عليه أن يمر عليه ، ليحصل على المائة الأخرى ، وظلت نفسه تصارعه ، وكيف يقبل الرشوة ؟ ، ولكنه يحتاج النقود الان لاجراء العملية لأخته ، فانتصر عليه الشيطان !!! وأسرع للمستشفى ، ليدفع مقدم الأتعاب ، وحضر بعد ساعتين لصاحب المحل ، الذى أعطاه المائة الأخرى ، وماان أمسك الورقة النقدية ، حتى فؤجئ برجال الشرطة يضعون فى يديه القيود الحديدية ، بناء على بلاغ صاحب المحل ، بأنه يتهم الموظف الحكومى بالرشوة ، مؤكدا أنه رجل شريف محب ومخلص لبلاده ، وسيدفع كل ماعليه من ضرائب عندما تتحسن ظروفه ، ودخل السجن !!! وتبخرت كل أحلامه البعيدة ، ففصلته المحكمة من وظيفته ، وفصلته الجامعة من الكلية ، وأما والد خطيبته فلقد رد اليه دبلته اليتمة ، وقال لابنته بأنه سيكون خريج سجون ، فلن يدخل المحكمة قاضيا بل سجينا مجرما....وكانت النهاية هى وفاة أخته ضحية الفقر ...ضحية الأغنياء البخلاء ...ضحية الأطباء الجشعين الذين انتزع الله الرحمة من قلوبهم ، فغدوا عبادا للمال وحده !! بل ضحية مجتمع رقد ضميره رقدته الأبدية فى سبات عميق لاأمل فى ايقاظه !! .....وذهبنا لتعزيته فى السجن ، فوجدناه جثة هامدة ....فلقد ودّع تلك الدنيا الظالمة ، وقطع شريان يده ، وكتب بدمه على حائط السجن اخر كلمة فى حياتى وهى : وداعا يا دنيا !! ...وان عشت ماعشت فماأرانى أبكى مثل ذلك اليوم الذى مرت فيه الجثتان : جثة صديقى ، وجثة شقيقته ، واه....اه...ثم اه...من مشهد تلك الأم الثكلى المكلومة ، رأيتها وهى تفترش الأرض ، وتضع التراب على رأسهها ، وتذكرت قولته وهو يبتسم ابتسامة صفراء عندما قال لى : لاتنخدع بابتسامتى ياصديقى ، فسيأتى يوم تكتب فيه للناس عن مأساتى...لككنى هربت من أحزانى وأخذتنى سنوات طويلة ، تناسيت فيها ألم الفراق ، لكننى أبدا لم أنساه...
تنبهت من غفوتى ، وقد أنهت حبيبته تلفونها ، وقالت لى : على فكرة انى أبدا لم ولن أنسى صديقك ، فأنا لم ولن أتزوج أبدا ، ولن أغير الملابس السوداء حزنا عليه ، ووضعت همى كله فى الدراسة ، بعد أن حولت نفسى الى كلية أخرى غير الحقوق .....ووجدتنى عاجزا عن الكلام معها ! .ودّعنتها بدموعى التى أبت أن تتوقف ، وخرجت من الجامعة ، فحانت منى التفاتة ليس الى مكان حبيبتى القديمة ، بل الى مكان لقاء صديقى بحبيبته....وتذكرت اخر ما خطته يداه على حائط السجن بدمه ودااااعا يا دنيا......
تمت بحمد الله - تعالى -