لماذا كتب الله علينا الصيام

اللهم صلِ على محمد وآلِ محمد

بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا اوجب الله تعالى علينا الصوم ؟ وما الداعي الى تحمل مشاق هذه الفريضة ؟
سؤال قد يخطر بالنا ويحضر اذهاننا ، قد يجيب شخص ويقول ليس مهما ان نعرف جواب هذا السؤال ، فنحن نؤدي هذه الفريضة ونمتثل امر الله تعالى قربة الى وجهه الكريم وتعبدا له ايمانا منا بانه لم يفرضها علينا عبثا بل لما في هذا التشريع من الخير والمصلحة لنا
اقول هذا صحيح ولكن هناك ثمرات تترتب على معرفة جواب هذا السؤال ، كما سيتضح ان شاء الله
اقول في مقام الجواب /
طبقا لعقيدتنا تبعا لاهل البيت صلوات الله عليهم ان الله سبحانه وتعالى يمتنع ان يفعل فعلا ليس وراءه غرض بل افعاله تعالى كلها لاجل تحقيق اهداف واغراض ومصالح والا كان عابثا والعبث ممتنع عليه تعالى ، وهذه قاعدة عقيدية عندنا تسمى
{ افعال الله معللة بالاغراض }
ومن جملة افعاله تعالى تشريع الصوم وايجابه علينا ، اذن تشريع الصوم له غرض وهدف ، فما هو ؟
بما اننا لانستطيع معرفة اغراض الله تعالى من افعاله بعقولنا ، اذن لابد ان نستنطق النصوص الشرعية سواء كانت كتابا او سنة لمعرفة الغرض من تشريع الصوم
ولو راجعنا النصوص الشرعية لوجدنا انها تذكر اكثر من غرض وهدف لتشريع الصوم فهناك عدة مصالح تترتب على تشريع الصوم سواء كانت مادية تتعلق بالبدن او معنوية تتعلق بالنفس مثلا ورد { صوموا تصحوا } اذن من مصالح الصوم الصحة وهي فائدة مادية تتعلق بالبدن ، وورد { واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه } اذن من مصالح الصوم انه يذكّر بيوم القامة ، وورد { وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم } فالصوم يذكّر بجوع الايتام والفقراء وحالهم المعيشي ، الى غير ذلك مما يذكر في مصالح الصوم
( راجع مثلا فقه الاخلاق - محمد الصدر - ج1 ص 293 ومابعدها فهناك بحث رائع في هذا الباب )
ولكن هناك فائدة وغرض له الامتياز عن سائر الاغراض الاخرى وهو الاساس من تشريع الصوم اولا لعظمته وخطره وثانيا لما يترتب عليه من مصالح عظيمة وثالثا لان كل ما ذكر من مصالح واغراض يمكن ارجاعه اليه
ولذا هو الغرض الوحيد الذي ذكر للصوم في القران الكريم ، ماهو هذا الغرض ؟ هو التقوى قال تعالى
{ كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون }
نعم كتب الله تعالى علينا الصوم لكي نصل الى حالة التقوى فالصوم افضل عامل مساعد لايجاد حالة التقوى او قل لايصال الانسان الى حالة التقوى ، وما اعظم هذا الغرض وهذه الفائدة ، فمن ذلك نعرف عظمة شعيرة الصيام لانها توجد عندنا حالة التقوى التي هي من اعظم الشعائر والمقامات الالهية
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو ما العلاقة بين الصوم والتقوى ولاي شيء صار الصوم موجبا للتقوى ؟
جواب ذلك ان التقوى عبارة عن الطهارة الروحية والنزاهة والارتفاع عن عالم الماديات والعلائق الدنيوية الا بمقدار ما تتوقف عليه المعيشة
فلكيى يصل الانسان الى التقوى لابد ان يتصف بطهارة الروح ونزاهة النفس وصفاء القلب ويتجرد عن حب الدنيا وطلب لذائذها ، ومن اهم الامور التي تصل بالانسان الى ذاك الاتصاف وهذا التجرد هو الصوم لانه عبارة عن الامساك عن اللذائذ وقطع المشتهيات وترك الشهوات وهذا ما يوجب له الطهارة الروحية التي هي عبارة عن التقوى
ومن هنا صار الصوم من موجبات التقوى ووجدت العلاقة بينهما فقال تعالى { لعلكم تتقون }
وهنا اشارة لطيفة في الاية فهي لم تقل لتتقوا بل قالت لعلكم تتقون ولعل من ادوات الرجاء اي صوموا رجاء ان تصلوا الى التقوى في اشارة الى انه ليس كل صوم يوجب التقوى بل الصوم يوجب التقوى بشرطه وشروطه لذا ورد { كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش } اي ليس له تقوى بل جوع وعطش
على اي حال قلنا الصوم يوجب التقوى ولو رجعنا الى اثار التقوى في القران الكريم لوجدنا العجب العجاب اكتفي بنقل بعض الايات بهذا الصدد
{ان اكرمكم عند الله اتقاكم} {واتقوا الله ويعلمكم الله} {ومن يتق الله يجعل له من امره يسرا} {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب} {ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون} {وسيق الذين اتقوا ربهم الى الجنة زمرا حتى اذا جاؤها وفتحت ابوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} {الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو الا المتقين} {والعاقبة للتقوى} {فان خير الزاد التقوى} {ولباس التقوى ذلك خير} {واعلمو ان الله مع المتقين} {للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وازواج مطهرة ورضوان من الله} {ان الله يحب المتقين} {انما يتقبل الله من المتقين} {ولدار الاخرة خير للذين اتقوا} {مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الانهار اكلها دائم وظلها تلك عقبى الذين اتقوا} {ان المتقين في مقام امين} {ان المتقين في جنات ونهر} {ان المتقين في جنات ونعيم} {ان المتقين في جنات وعيون} {ان المتقين في ظلال وعيون} {ولنعم دار المتقين * جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الانهار لهم فيها ما يشاؤون كذلك يجزي الله المتقين} {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} {يوم نحشر المتقين الى الرحمن وفدا} {قل اذلك خير ام جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا} {لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الانهار وعد الله لايخلف الله الميعاد} {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لايمسهم السوء ولاهم يحزنون}
فاذا كانت التقوى لها كل هذه الاثار والفوائد فكل ذلك يثبت للصوم لان الصوم موجب للتقوى اذن هو موجب لكل ذلك .
الان هل عرفت ما هي فوائد الصوم ولماذا كتبه الله تعالى واوجبه علينا !
اسال الله لكم ولي القبول والتقوى وان لا يكون حظنا من صومنا ليس الا الجوع والعطش
والحمد لله رب العالمين ... وصلى الله على خير خلقه محمد واله الطاهرين الهداة الميامين ...