غرقت نظراته الخبيرة في عيني..وبعد طول تأمل قال لي :ـأريد منك إجراء تحليل لدموعك ..كانت أول مرة اسمع فيها عن تحليل الدموع ..في الطريق نحو المختبر كنت خائفــــــــــ . .ماذا سيكشف لهم تحليل دموعي ؟بل وكيف سيحصلون على الدمع مني ؟ ولكن لم لا ؟أنها فرصة رائعة للبكاء بعد طول احتباس لمطر القلب سأنتهز الفرصة وسأبكي طويلا . ..وحتى حينما يأتي الممرض ويقول لي أن الأنبوب الذي ملأتهبالدمع امتلأ, فلن أرد عليه وسأملأ له إبريقا من الدمع . . .و جاؤوا بقطعة قطن وحكوا بها جفني فانهمر الدمع. نقطة واحدة كانت تكفيهم , ولكنها لم تكن تكفيني !وحين غادرت المختبر فرحت لأنها كانتولم يكن في وسعي أن أوقف مطر الدمع في حنجرتي المالحة كمغارة محشوة بالشوك . .قال لي الرجل :ـتعال بعد أيام من أجل نتيجة التحليل وعشت أياما شبه قلقة . . .ترى هل سيقرؤون في دموعي تاريخي كله !؟تاريخ أحزاني كلها ؟. . .هل سيقرؤون أيضا أسماء . . و تواريخ .؟هل ستتراءى للمحلل وجوه و وجوه ،وجوه أمسكت بها و وجوه راحت مني في زحام ذلك الزمن الهارب !؟هل سيقرأ في دموعي حكايتي ؟وهل سيرتجف جسده ضحكا مني ،من غباء أسميته ( حباً ) . .وانهيارات أسميتها تجارب؟!ترى هل ينبت الذين نحبهم داخل دموعنا ، وهل يسبحون في بحرها المالح كما الأسماك تسبح ؟ترى هل تسجل دموعنا زلازل أعماقناوفواجعنا بحيث تبقى دوائرها مرتسمة ،هادئة حيناوصاخبة حينا و هل . . و هل .؟في اليوم الموعود ذهبت لإحضار نتيجة التحليل .تخيلت انه سيدفع إلي بعدة مجلدات فيها حكايات عمري التي لا يعرفها احد غير دمعي !و فوجئت بصفحة بيضاء وعبارة واحد تتوسطها :[ الدمع خالي من كل شيء ! ] . .لم تذكر الورقة أي شيء غير حساسيه لأحد المركبات الكيميائية. أما بقية "حساسيات عمري " فلم تلحظها .ما أشد قصور العلم أمام قطرة دمعة أنسانية واحدة هي بحر من الأسرار!لا ،لم تذكر أية أسماء..أية حكايا..أي شوق ..أي جنون..لم تذكر أية تواريخ ..
