المظاهرات المؤسفة التي شهدتها مدن مختلفة من العراق في الأسابيع الفائتة أدمت قلوب مئات الألوف من الأردنيين المقيمين في العراق والعراقيين المقيمين في الأردن والملايين من أبناء البلدين عامة, في وقت أصبح فيه تنظيم المظاهرات وتحريك الجماهير فنا سياسيا عسكريا يقلب الحكومات ويغير الأنظمة السياسية ويرسم حدود النفوذ الإقليمي لدول المنطقة بإسم الديموقرطية وحق المواطنة كما حصل ويحصل في لبنان. المظاهرات المنظمة من قبل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق تعد سابقة ليس لها مثيل في دعوة العراقيين للاعتراض على السياسة الخارجية لأي دولة من دول العالم.
الأمرالغريب والملفت للإنتباه أن الحزب المنظم للمظاهرات الحالية لم يدع أبدا للتظاهر ضد التدخل الأجنبي أو الإحتلال, أو حتى المطالبة بالتعويضات من قوات وحكومات أتت من وراء البحار لتدمر أجزاء كبيرة من البيئة المبنية للمدن وتمسح من الوجود الحكومة المدنية والجيش العراقي وتقتل أو تتسبب بمقتل العشرات من الآلاف من أبناء الشعب.
ولكن لندع الحديث عن الجانب العراقي ولوم الأطراف المعنية من سياسيين ولصوص بنوك إلى وقت آخر, ولنتحدث عن دور الأردن كحكومة وشعب في الأحداث الجارية التي يبدو فيها أن تصفية الحسابات الإقليمية ضد الأردن ترتبط بطريقة أو أخرى بمواقف الحكومة غير المبررة إزاء أبناء الطائفة الشيعية والتحذير من "هلال شيعي" في المنطقة, كما لو أن الشيعة قد أتو من كوكب آخر, أو كما لو أن التدخلات الإقليمية من دول الجوار وليس الإحتلال الأجنبي هي لب المشلكة. حكومتنا قد سهلت لبعض الأطراف المستفيدة خلط الأوراق وقلب الطاولة. حكومتنا تحدثت عندما لم يكن هنالك داع للحديث.
أما الآن, والمظاهرات ضد الأردن والعرب تجوب الشوارع العراقية, فلم نسمع سوى بعض الردود الخجولة والتصريحات الصغيرة والمواقف السلبية التي تكللت باستدعاء القائم بالأعمال الأردني من بغداد. أليس من المؤسف رؤية الآلاف من العراقيين المدفوعين للتظاهر بناء على معلومات مغرضة ومشوشة عن "أعراس أردنية لقتل المدنيين العراقيين"؟ أليس الحري بالحكومة السماح للعشرات أو ربما المئات من الآلاف من الأردنيين والعراقيين في الأردن أن يخرجوا للشوارع في مسيرات تآخي ودعم للأخوة العراقيين والعرب والمسلمين المحتلين في العراق؟ أليس من السهل لأجهزة إعلامنا إيصال صوت عائلة رائد البنا إلينا وإلى العراقيين ليعلم الكل أن أحدا لم يحتفل بمقتل أفراد الشرطة والحرس الوطني في الحلة أو أي مكان آخر؟ أليس من الواجب أن نقوم بحملات مساندة مدنية وشعبية للعراقيين والعرب والمسلمين في العراق لنساعدهم على إعادة إعمار مدارسهم ومستشفياتهم التي دمرها الإحتلال؟ أليس عار علينا أن نرى العشرات من الآلاف من الأوروبيين وسكان الولايات التحدة يخرجون في مظاهرات لوقف حرب الإحتلال غير القانونية من غير أن يتحرك لنا ساكن؟
بالتأكيد أن هنالك قائمة طويلة من الإنتقادات التي من الممكن توجيهها للأحزاب الحاكمة العراقية ولإيران ولسوريا والسعودية واليمن والسودان ومصر, ولكن أين نحن من هذا؟ وما دورنا كأردنيين وكعرب من إظهار المساندة المدنية للمقيمين تحت الإحتلال في العراق وفلسطين؟ ما دورنا كأردنيين وكعرب وكمسلمين في عدم إعطاء الفرصة لأعداء الامتداد الديموغرافي بين شعوب المنطقة؟ وما دور حكومتنا الصامتة في قيادة هكذا تحركات جماهيرية؟
أم أن هذا الصمت الحكومي مقصود لتمرير بعض المبادرات الدولية والاستفادة من قصة الهجمات غير المبررة في العراق للملمة الصف الشعبي الأردني ووضع الجماهير الإنفعالية في خندق الحكومة لندافع عنها؟ هل المماطلة في حل موضوع المظاهرات المناهضة للأردن والعرب في العراق سينسينا المبادرات غير الشعبية المقدمة للقمة العربية؟ هل تستخدم الحكومة الوضع المتوتر في العراق لأقامة "حالة طوارئ" ونفض الغبار عن أجندات قديمة ومشاريع تاريخية؟
صمت الحكومة يدوي كالرعد.
احدث المواضيع:
المشرفة العامة سابقاً
رد: الوضع في العراق وصمت الحكومه!!!!
ضوابط المشاركة