مناظرة بين حمارين *
في إحدى حدائق الحيوان، تقابل حماران، حمار بلدي وآخر وحشي.. فدار بينهما الحوار التالي: الحمار البلدي : أنت أيها الحمار المخطط .. ما اسمك.. ؟
ـ اسمي حمار وحشي.
ـ حمار وحشي.. وأين تعيش.. ؟
ـ أعيش في الغابات والبراري الشاسعة.
ـ حسننا.. هل سمعت عني من قبل.
ـ نعم كثيرا.. كثيرا جدا.
ـ لا شك في ذلك.. نعم أنا حمار مشهور.. مشهور جدا.
ـ لم أسمع عنك أنت بالذات.. بل عن حمير تعيش في المدن.. وأعتقد أنك واحد منها.
ـ نعم صدقت ، العبد لله ولا فخر " احمير بلاد ".. ولكن كيف عرفت ذلك.
ـ لأن الحمار البلدي.. يختلف عنا كثيرا.. ومن خلال مشاهدتي لكم هنا، داخل هذا السجن الحيواني الكبير.. أستطيع أن أجزم لك أننا مختلفون تماما.
ـ مختلفون !!!.. في أي شىء كان ذاك الاختلاف.. ؟
ـ في الشكل.. في العادات.. وفي الطباع أيضا.
ـ أما الشكل.. فلا يهمني في شيء.. فكلنا حمير الله.. ولكن حدثني عن العادات والطباع.
ـ أنتم تفضلون العيش مع البشر.. أم نحن فلا.
ـ نعم هذا صحيح.. فنحن مدنيون بطبعنا.. ونحب العيش في المدن.. ثم إن الله خلقنا لنعيش مع البشر.. والبشر بطبيعتهم يعشون في المدن.
ـ لا ليس الأمر كذلك.. أنتم مجرد حمير مستعبدة.. استعبدها الإنسان من قديم الزمان.
ـ وأنتم مجرد حمير " بدوية " أعني برية.. لا تفقه من أمور المدنية والحضارة شيئا .
ـ وأنتم مطيعون.. مطيعون حتى الموت.. ولا يمكن لكم مخالفة أوامر أسيادكم.
ـ بل نحن متمدنون.. ونحب إطاعة الأوامر التي تحض على العمل.
ـ أنتم تحبون السير في الخط المستقيم.. الذي يحدده لكم رب العمل.
ـ نعم نحن نحب ذلك لأننا لا نحب الطرق الملتوية.. أعني أننا واضحون.
ـ أنتم حمير مستعبده.. والعبد بطبيعته يسير في الاتجاه الذي يحدده سيده.
ـ وأنتم أيضا تركضون مرغمين أمام الحيوانات المفترسة.. نعم مرغمين تركضون إلى حتفكم.. هل هذه حياة.. !! ؟ تقضون جل حياتكم تركضون وبلا توقف .. أليس هذا غباء مطلق.
ـ نعم نركض.. ولكن لإنقاذ أنفسنا.. أما أنتم فتركضون لأسيادكم.. فقط من أجل فتات موائده التي يجود بها عليكم آخر النهار.
ـ أنتم وكما يقال عنكم في نوادينا.. جاهلون ومتعجرفون.. لا تحبون أحدا ولا يحبكم أحد.. ورؤوسكم مليئة بالغباء والعناد.. والدليل على ذلك أنكم تفضلون حياة الشقاء التي تعيشونها.. على حياة الدعة والراحة التي نعيشها نحن.
ـ نعم.. نحن لا نحب من يستعبدنا ولا يحبنا.. لأننا لسنا طوع أمره.
ـ بل يكرهونكم لأنكم " حمير بدوية ".. لا تألف البشر ولا يألفونها.
ـ اسمع أيها الحمار " الأشهب ".. لا تعيرني بذلك.. واعلم أنه لا فرق بين حمار وآخر إلا بكثرة النهيق الخارج عن المألوف.
ـ ماذا تقصد بذلك.. ؟
ـ اقصد أنكم أكثر نهيقا منا.. وبالذات عندما تكونون في حضرة الأسياد.. وهذا راجع إلى أنكم - وكما قلت لك " حمير مستعبدة " تعودت الذل والقهر.. وتنازلت عن حريتها.. مقابل ما يقدم لها من طعام.
ـ لا ليس الأمر كذلك .. يبدو أنك لم تعرف بعد من أنا.
ـ أنت كما أخبرتني " احمير بلاد ".. حمار" ساده " لا شكل له ولا وزن.
ـ حمار " ساده " ماذا تقصد بذلك.
ـ اقصد أنك حمار بلا خطوط.. لماذا خلقك الله هكذا بلا خطوط.
ـ ولماذا خلقك الله بهذه الخطوط التي تذكرني برب العمل الذي كنت عنده.
ـ الحمد لله أنها تذكرك بسيدك.. قلتها أنت .. أنا إذن أذكرك بسيدك.
ـ أعني تذكرني.. بلباس مخطط يلبسه عندما يكون في البيت.. اسمه " بيجاما ".
ـ أتعرف لماذا خلقكم الله هكذا: سادة " بلا خطوط.. لأنه سبحانة يعرف أنكم " حمير بلاد " ولو خلقكم بخطوط مثلنا.. لاختلط الأمر على الناس، ولم يعرف الحمار من سيده.. وطالما أن سيدك له خطوط كما تقول.. فمن المنطقي أن تكون أنت بلا خطوط.. هذا كل ما في الأمر.
ـ المكانة لا تكتسب بالشكل أو بالخطوط.. نحن لا نقيم للمظاهر أي وزن.. المكانة تنال بالجهد والعرق والعمل.
ـ اسمع أيها الحمار الأشهب.. الخطوط عند البشر لها قيمة.. وكلما كثرت الخطوط صارت القيمة أكبر.. أليس الفرق بين " الشاويش " والجندي الأول بعدد الخطوط التي يحملها على ظهره.. وطالما أن الله قد خلقك هكذا، أشهب مثل الفار.. فلا قيمة لك.
ـ لا قيمة لي.. !!!
ـ نعم.. إلا إذا بذلت الكثير من الجهد والعرق.. كي تنال رضي سيدك.. ربما لهذا السبب بالذات يكره البشر الفئران " السادة " ويحبون القطط المخططة.
ـ وأنتم لمن تبذلون جهودكم.. ؟
ـ نبذل الجهد والعرق لأنفسنا.. وفي أحيان كثيرة نقطع البراري الشاسعة.. طولا وعرضا فقط لإنقاذ أنفسنا.. وشعارنا في الحياة إما أن ننتصر لأنفسنا أو نموت.
ـ ولماذا كل هذا التعب.. لماذا لا تعيشوا مثلنا في المدن وتريحوا أنفسكم من كل هذا العناء الذي لا طائل من ورائه.
ـ نحن نكره المدن ونعشق البراري والغابات الشاسعة.. ولا نساوم على حريتنا ولا نتنازل عنها إلا إذا هزمنا .. أعني إلا إذا كنا مرغمين على ذلك.
ـ أرى أن حياتك قصيرة ولا قيمة لها.. أيها الحمار البري.
ـ نعم قصيرة.. ولكن لها طعم آخر.. لا تعرفه لأنك لم تجربه.. هل ذقت طعم الحرية من قبل.
ـ الحرية.. وما طعم الحرية.. ؟ هل هو مثل طعم الشعير.. ؟
ـ طعم الشعير.. !!! كنت أعتقد أنك حمار أشهب وحسب.. أما الآن فقط تبين لي أنك حمار وأحمق أيضا، الحرية يا حمار المدينة.. شيء لا يمكن وصفه.. الحرية لا يعرفها إلا الذي عاشها.
ـ وكيف يعيشونها.. ؟
ـ أن تعمل لنفسك وتركض لنفسك.. وتتمرد على سيدك.. وإن جوعك وعذبك وهددك بالقتل.
ـ أتمرد على سيدي وإن جوعني وعذبني وهددني بالقتل.. !!!
ـ نعم.. أيها الحمار الأشهب.. الحرية هي: أن تعيش حرا أو تموت.
ـ هذه هي الحرية إذن.. !!! جوع وعذاب وموت.. أنا أكره الموت ولا أحتمل العذاب أو الجوع..
أنا لست لها.. أنا حمار " سادة " بلا خطوط .. أعني بلا رتب وبلا قيمة تذكر.
ـ إذا أردت أن تكون لك قيمة فـ ...
ـ " دور جماعتك " أيها الحمار المخطط ... ولا تذكر لأحد أنا التقينا ذات يوم.
ـ وهو كذلك.. يا صديقي الأشهب.. لن أذكر ذلك لأحد.
ـ أشكرك.. مع السلامة.
احدث المواضيع: