أي جريمة نكراء تلك التي استهدفت الكنيسة؟!، وكم هي مروعة جرائم ليل الثلاثاء؟!، دم، دم، دم. جثث وأشلاء منثورة وحطام، هل هذا هو ثوب الارهاب المفضل دائما؟. يزرعون العبوات المفخخة واللاصقة، ويفخخون العربات، ويلفون حول طفل أو امرأة أو معتوه حزاما ناسفا ليفجر نفسه في سوق أو شارع أو مسجد. ثم تتغنى بعض القنوات الفضائية بجرائمهم أو تستخدمها لاهدافها بألف طريقة وطريقة، ولكنها مفضوحة!.
لوننا أبيض، لون السلام والمحبة، ولونهم دموي، وهو لون جرائمهم، هذا أقسى رد (عراقي مسيحي) سمعته على مدى ساعات ما بعد حادث تفجير كنيسة سيدة النجاة الاجرامي في بغداد.
رد (عراقي مسيحي) آخر أدمع عيني، رد كبير، ربما يغيب عن قدرة سياسي محنك، أو محلل ستراتيجي بارع، صدر عن مرجع مسيحي عراقي كبير مغترب، سألته احدى القنوات العراقية الفضائية عن مشاعره ووجهة نظره بما حصل لكنيسة سيدة النجاة في الكرادة، وما خلفه الحادث الاجرامي من عشرات الشهداء والجرحى، فأجاب بهدوء الكبار ورجاحة العقل العراقي المؤمن، قال: أقول لهم مثلما قال السيد المسيح للذين كانوا يهمون بصلبه: (اللهم اغفر لهؤلاء، لأنهم لا يعلمون ما يفعلون)!.
كانت جاراتنا من العائلات المسيحية في كركوك تتبرك بما ينحر في العاشر من عاشوراء وتأخذ (المراد)، وكان العديد من تلك العائلات الرائعة هي أول من يزورنا في صبيحة أعيادنا لتقدم لنا التهاني، حتى في مجال العمل اصدقائي المسيحيون اول من يباركون اعيادنا وكنا نحرص على حضور أعيادهم ونبادلهم فرحهم وبهجتهم، صلة من الألفة والمحبة عمرها عقود طويلة من الأعوام فكيف تتفكك بجريمة ارهابية؟!.
من ينظر الى موكب تشييع ضحايا الارهاب ويشاهد العراقيين من مسيحيين ومسلمين وصابئة وغيرهم ستدمع عيناه حتما، لأنه سيلمس مصابا واحدا وعزاء واحدا وألما واحداً. من ينظر الى أرض جرائم ارهاب الساعات الماضية وكل جرائم الأعوام الماضية سيجد ان تربة العراق ارتوت بدم عراقي مسلم ومسيحي وصابئي وايزيدي وعربي وكردي وتركماني وغيرهم كثير.
الارهاب أعمى وبشع، وحقا لا دين له. ولكن أهم ما يجب فعله هو أن لا تلامس جرائمه أدنى مكسب في الفرقة واثارة الفتنة والفوضى والأحقاد. أهم ما ينتظرنا هو محاربتهم والتصدي لمشروعهم الدموي، والارهابي البغيض.عاش عراقنا الجميل بلونه الأبيض، لون السلام.ودعواتنا للجرحى بالشفاء العاجل.
في احد مقاهي بغداد
كالمعتاد وعند الغروب كان صلاح (السمين) وهي كنيته في المقهى مستعدا للقاء خصومه التقليديين، فغالبا ما كانت المباراة تستحوذ على اهتمام بقية الجالسين في المقهى اذ يتركون مقاعدهم ويتجمهرون حول طاولة (السمين) الذي يصل ضحكه وصراخه الى أسماع اصحاب المحال المجاورة، ابطال هذه اللعبة كانوا اربعة اشخاص، صلاح (المسلم الشيعي) وسعدون الصابئي ومحمد (المسلم السني) وهاني المسيحي الذي يستغرب المتفرجون من قسمه بالسيد المسيح (بالمسيح هذا الداس النه)‘ فسحنته السمراء لم تكن تدلل على مسيحيته، بل ان الكثير من الجالسين لم يعرفوا بان هاني الذي يسكن في منطقة البنوك هو مسيحي ياتي يوميا للقاء اصدقائه في منطقة حي اور قرب ساحة (صباح الخياط ) ويبقى هناك الى ساعات متاخرة جدا.
في ذلك اليوم اراد الاصدقاء ان يحضروا معا لكنهم لم يجلسوا جلستهم المعتادة بل اتخذوا من الاريكة التي تتصدر باب المقهى محطة لاستراحتهم قبل الدخول في مباراة جديدة، كان الحديث الذي بدأه صلاح ( السمين) يدور حول هدية الفائز اذ اقترح ان يكون (كيلوين من حلويات الحمداني الذي افتتح فرعا له في المنطقة)، وكان تعليق سعدون على صديقه ( لك يا حلويات مو راح تنفجر من السمن)، صديقهم محمد اقترح ان يقوم الخاسر بدفع ثمن عشاء الفائز، اما صديقهم هاني فاقترح ان يقوم الفريق الخاسر بدفع اجور جميع المشروبات للجالسين والمشجعين، ووسط هذه الاحاديث التي كانت تدلل على عراقية الانتماء لهولاء الاصدقاء فجأة دوى صوت بشع ولف المكان سواد قاتم، لقد انفجرت عبوة ناسفة امام المقهى، قتل من قتل وجرح من جرح، في اليوم الثاني كان الناس يتوافدون على المقهى لتقديم التعازي ومعرفة من سلم ومن قتل، عندما اخرج عامل المقهى الذي استشهد (استاده) صاحب المقهى الطاولة التي اعتاد ان يلعب عليها الاصدقاء الاربعة ووضعها في باب المقهى ووضع حولها الاربعة كراسي وخط على ورقة امام كل واحد منها : هاني المسيحي شهيد، ومحمد شهيد، وصلاح جريح ، وسعدون جريح، ومنذ يومين والمقهى فارغة تلفها يافطات التعازي السوداء.
لقد عاهدت نفسي أن أعود الى بغداد ليس فقط لأزور الكاظمية أو الاعظمية وانا اطيل البكاء تحت قبابك المولعة بالدعاء. با سأذهب الى سيدة النجاة اريد ان ا اوقد شموعا للسيدة العذراء انصت للتراتيل واتخذ اي مقعد اسوة بالقادمين .. ولن يسألني أحد ان كنت مسلما ام مسيحيا .. أذهب في سحر الاناشيد .. يزدهر عسل روحي .. ويحتشد النرجس والرازقي والبنفسج ..أتعرفون لماذا !! لأنني عراقي ..
ماذا يحدث فيك واليك ومنك يا بلدي ..صباحك عراق وعصافير تزقزق نداء الى كل غيث .. اللهم عراقنا .. أللهم رفعت رأسي لأدعوك .. (اللهم عراقنا) اللهم عراقنا ودجلتنا وابنائنا وجوامعنا وكنائسنا واطفالنا وشوارعنا واحبابنا وذكرياتنا ومقاهينا وامهاتنا ومنفانا ورحيلنا وايامنا
الله أكبر .. (اشبيكم يمه اشصار بالدنيا) .. هكذا سمعت صوتا قادما من دجلة يصرخ بلوعة مريبة .. يعقبه صوت آخر من الفرات .. (بويه الشباب خلصت والضيم شيب قلوبنه) .. يهبط صوت آخر من السماء ..عراقي متى يستحي من دمك الارهاب ..
ها اللهم عراقنا ..وعراقك .. وبكائي.
تقبلوا تحيتي
اخوكم
الحيــــــ ــــــدري
احدث المواضيع: